Search

المبادئ الكنسية العامة لتنشئة الكهنة 2016
Ratio fundamentalis 2016

 
الكنيسة بحاجة إلى كهنة قديسين، يتمتعون بصحة جيدة، ومتواضعين. وهذا يتطلب اختيارًا دقيقًا وتنشئة جدية للمرشحين. في الواقع، تعتبر الكنيسة أن تنشئة كهنة المستقبل، الأبرشيين والرهبان على السواء، من أهم مهامها وعلى رأس سلم أولوياتها فتوليها عناية كبيرة. في كانون الأول 2016م، وضع الكرسي الرسولي مجموعة جديدة من المبادئ التوجيهية لتنشئة الاكليريكيين، بعنوان عطية الدعوة الكهنوتية. فيما يلي السمات البارزة لهذه الوثيقة. على الرغم من أن الوثيقة تتكلم مباشرة على تنشئة الكهنة، إلا أن معظم الإرشادات صالحة لأي شخص يقوم بالخدمة في الكنيسة، وتشمل القادة الدينيين والعلمانيين. 
 
تعتبر هذه العناصر أساسية في التنشئة الكهنوتية إذ تبين العلاقة بين المضمون اللاهوتي والعملية التربوية والرعوية للتنشئة (النظري والعملي). 
 

1. النهج الشمولي للمسيرة التعليمية الواحدة
الشخص المرشح لسر الكهنوت المقدس يمر بثلاث مراحل رئيسية: تمييز الدعوة، التنشئة الكهنوتية، والتنشئة الدائمة. الموضوع هو موضوع مسيرة واحدة متناسقة، تنمو فيها “البذور” التي تزرع في التنشئة لتؤتي ثمارها لاحقًا. 

2. التنشئة المتكاملة
يتطلب نمو الشخص، بطبيعته، إلى التوازن السليم بين مكونات حياته المختلفة. ليس المهم النمو الجزئي، لأن دعوة الله تتطلب أن يعطي الإنسان كل شيء، حياته كاملة. “َتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ بكُلِّ قَلْبِكَ، وَبكُلِّ نَفْسِكَ، وَبكُلِّ فِكْرِكَ، وَبكُلِّ قُدْرَتِك” (مرقس 12:30). إن الهدف من التنشئة الكهنوتية والدائمة هو التكامل. لذا تدعو الكنيسة الاكليريكيين والكهنة إلى ترك راحتهم من أجل تحقيق النمو الحقيقي والانسجام والتكامل في تنشئتهم الكهنوتية، لأن المدعو هو كل الانسان وليس جزءًا منه وهذا يعزز خيره وسعادته المستقبلية.

3. التنشئة التدريجية (راجع نظرة عامة – الاكليريكية الكبرى)
تشمل مسيرة الطالب الاكليريكي في الاكليريكية الكبرى أربع مراحل:
1) المرحلة الأولى: سنة الروحانيات (تمييز الدعوة)
2) مرحلة الدروس الفلسفية (تكوين التلميذ)
3) مرحلة الدروس اللاهوتية (التماهي مع المسيح)
4) المرحلة الرعائية (مرحلة الدعوة)
أخيرًا، تركز الوثيقة الكنسية على الالتزام بالتمييز الدقيق للمرشحين في نهاية كل مرحلة من مراحل التكوين، لتحديد مدى ملاءمة المرشح للتقدم أو لا، حسب الحالة الشخصية لكل مرشح. يجب أن يكون هذا التمييز موضوعيا وجديا، بحيث لا يتم الانتقال تلقائيا بين مراحل التنشئة الأربع. 

4. البيئة الجماعية
تعتبر الوثيقة البيئة الجماعية أحد أهم ركائز التنشئة الكهنوتية وتوليها الأهمية الكبرى. هذه الفكرة تنسجم مع مفهوم الكهنوت، الذي ولد في جماعة مسيحية، ونما في الاكليريكية، وأصبح جاهزا لخدمة ورعاية الجماعة المؤمنة. فالكهنوت ليس طريقة حياة منعزلة، على العكس من ذلك، “يجب أن يكون الكاهن دائمًا رجل شركة”، متحدًا بالأسقف وإخوته الكهنة والمؤمنين الموكولة إليه خدمتهم. لذلك، يجب أن تتم عملية التنشئة دائمًا ضمن حياة جماعية سليمة يسودها “الثقة والثقة المتبادلة” بين الاكليريكيين والمشرفين على التنشئة. 

5. التركيز على البعد الإرسالي
تشدد الوثيقة على أن التنشئة يجب أن تكون رعوية وإرسالية. هذه المِيزة الأساسية للتنشئة الكهنوتية هي جزء من تعريف سر الكهنوت المقدس. تقوم دعوة يسوع بالخروج للبحث عن الخراف الضالة، ودعوة الناس حتى أقاصي الأرض. ليس الكهنوت حصولًا على بعض وسائل الراحة أو الامتيازات. إنه خدمة البشارة المتواضعة وتسليم الكاهن نفسه لمشيئة الله.

6. التنشئة الداخلية
قلب التنشئة هو المطابقة بين الإنسان الباطني (الحياة الداخلية) والمسيح. والسلوك والأعمال الخارجية إنما هي دائمًا مظاهر تلقائية للقلب (راجع مرقس 7:15 ؛ 20-23). إذا كان “الإنسان الباطني” غير شبيه بالمسيح، يصبح النشاط الخارجي سطحيا. لذلك تتطلب تنشئة الإنسان الباطني عملية إنسانية مبنية على الانفتاح والمرافقة، حيث يسير الإكليريكي مع مرشده بصدق وثقة. كما تتطلب التنشئة قبل كل شيء عمل الروح القدس، الذي يبدِّل المرشح “ويصوِّره” ليكون على صورة المسيح نفسها. تستبعد الحياة الداخلية أي أفعال هي مجرد أعمال خارجية “ناموسية”، تُؤدى فقط ليراها الآخرون. (متى 6: 1).

7. التلمذة في مدرسة المسيح
يجب على كل إكليريكي وكاهن أن يتذكر دائمًا أنه أولاً وقبل كل شيء هو تلميذ ورسول بفضل معموديته. “التلميذ هو من دعاه الرب ليبقى معه ويتبعه ويصبح مرسلاً للإنجيل”. التلميذ “يعيش في علاقة عميقة وحميمة مع يسوع”. دعوة المعمودية هذه لتكون تلميذًا مرسلا تستمر طوال الحياة. “يجب أن يشعر الكاهن دائمًا أنه تلميذ في رحلة، ويحتاج باستمرار إلى تنشئة متكاملة”. لذلك ، فإن اتباع المسيح يعني “الانفتاح على إرادة الله” على مدار حياته كلها، بالإضافة إلى “توبة القلب وتبدله المستمر”. ينبغي ألا تُعتَبر أبدًا هذه المبادئ الأساسية للتلمذة أمرًا مفروغًا منه، لأنها ضرورية وأساسية للتنشئة الكهنوتية والدائمة.

8. التماهي مع المسيح
يخلق الروح القدس، على أساس التلمذة للمسيح، قلبًا كهنوتيًا من خلال مسيرة روحية تسمى “التماهي” أو “التشبه” بالمسيح. يعني هذا المفهوم تشبها شخصيًا وروحيًا بالمسيح بحسب أربع اعتبارات رئيسية: يسوع الرأس، والراعي، والخادم، والعريس. تتطلب عملية التماهي هذه تأملًا عميقًا في شخص يسوع المسيح، الأمر الذي يستوجب التزامًا جادًا، وانقيادا لعمل الله في الروح القدس لبناء عقلية كهنوتية وإرسالية أصيلة.

9. المرافقة والتمييز
تعتمد نوعية وجودة التنشئة على وتيرة المرافقة الروحية وعمقها. وبالتالي، فإن الوثيقة تتطلب علاقة شخصية بين كل إكليريكي والمشرفين على تنشئته، والتي لا تقتصر على المرشد الروحي. لذلك، من الضروري أن يتحلى الاكليريكيون معهم بالصدق والشفافية. يجب أن تكون المحادثات الشخصية مع المشرفين على التنشئة منتظمة ومتكررة، حتى يتمكن الإكليريكي من تمييز دعوته بشكل سليم ويتم تنشئته كتلميذ رسول. 

10. تكامل الدراسة وتطوير المناهج
تقترح الوثيقة الكنسية Ratio Fundamentalis 2016 أن توضع الدراسات في سياقها المناسب فيما يتعلق بالتكوين المتكامل. وتحقيقا لهذه الغاية، فقد عرضت الوثيقة بصورة متوازنة أوجه التنشئة الكهنوتية، وخصصت فصلا على حدة لبرنامج الدراسة، وطلبت من كل مجلس أسقفي ومن كل اكليريكية تطوير المناهج الدراسية. علاوة على ذلك، وسعت الوثيقة مجال الدراسات فأضافت إلى المناهج الكلاسيكية للدراسات الفلسفية واللاهوتية، برامج ودراسات أخرى.