Search

التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة

أؤمن بالروح القدس

683- “ما من أحد يستطيع أن يقول “يسوع رب” إلا بالروح القدس ( “1 كو 12، 3)”أرسل الله إلى قلوبنا روح ابنه ليصرخ: أبا، أيها الآب” (غل 4، 6). فهذه المعرفة الإيمانية غير ممكنة إلا بالروح القدس. فهو الذي يؤتى إلينا، ويبعث فينا الإيمان. وبفضل المعمودية، السر الأول من إسرار الإيمان، فالحياة، النابعة من الآب، والمقدمة لنا في الابن، تصل إلينا، بطريقة حميمة وشخصية ،بالروح القدس في الكنيسة: 

المعمودية “تمنحنا نعمة الولادة الجديدة في الله الآب بوساطة ابنه في الروح القدس. فالذين يحملون روح الله هم مقودون إلى الكلمة، أي الابن؛ ولكن الابن؛ ولكن الابن يقدمهم إلى الآب ،والآب يكسبهم عدم الفساد. فبدون الروح القدس إذًا لا تمكن رؤية ابن الله، وبدون الابن لا يستطيع أحد أن يقارب الآب، لأن معرفة الآب هي الابن، ومعرفة ابن الله تجرى بالروح القدس.”

684- الروح القدس هو الأول، بنعمته، في يقظة إيماننا، وفي الحياة الجديدة التي هي معرفة الآب والذي أرسله، يسوع المسيح. ومع ذلك فهو الأخير في الكشف عن أقانيم الثالوث الأقدس .

والقديس غريغوريوس النزينزي “اللاهوتي” يشرح هذا التدرج في نظام” التنازل الإلهي”.  

“العهد القديم أعلن الآب في وضوح، والابن في غموض، العهد الجديد أعلن الابن، وألمع بألوهة الروح. وهكذا أصبح للروح القدس مقر في ما بيننا، وهو ينير طريقنا إليه. وهكذا لم يكن من الحكمة، قبل الاعتراف بألوهة الآب، أن ينادى علناً بالابن، وقبل التسليم بألوهة الابن، أن يقحم الروح عبثا إضافيا، ولو كان التعبير جريئاً … وهكذا فبخطى متعاقبة، وبالانتقال “من مجد إلى مجد” يتلألأ نور الثالوث أكثر فأكثر.”

685- الإيمان بالروح القدس هو إذًا الاعتراف بان الروح القدس هو أحد أقانيم الثالوث الأقدس ،الواحد الجوهر مع الآب والابن، “المعبود  والممجد مع الآب والابن”. ولهذا السبب عرض لسر الروح القدس الإلهي في “اللاهوت الثالوثي. “ وهكذا فموضوع الروح القدس هنا بتدرج في “التدبير الإلهي.”

686 الروح القدس يعمل مع الآب والابن منذ بدء تصميم خلاصنا حتى نهايته ولكنه لم يكشف ،ولم يوهب، ولم يعترف به ولم يعد أقنوماً، إلا “في الأزمنة الأخيرة” التي أفتتحها تجسد الابن الفدائي وهكذا فهذا التصميم الإلهي، المحقق في المسيح، “بكر” الخليقة الجديدة وأرسها، يستطيع أن يتجسد في البشرية بفيض الروح القدس: الكنيسة، شركة القديسين، غف ارن الخطايا، قيامة الجسد، الحياةالأبدية.

المقال الثامن

أؤمن بالروح القدس

687- “ليس أحد يعرف ما في الله إلا روح الله( “1 كو 2، 11) والحال أن روحة الذي يكشفه يجعلنا نعرف المسيح كلمته كلامه الحي ولكنه لا يقول عن نفسه ما هو فالذي نطق بالأنبياء يسمعنا كلام الآب أما يسمعنا كلام الآب أما هو فلا نسمعه ولا نعرفه إلا بالحركة التي يكشف لنا فيها الكلمة ويعدنا لاستقباله في الإيمان وروح الحق الذي يكشف لنا المسيح لا يتكلم من عند نفسه مثل هذا الاحتجاب ذي الميزة الإلهية الخاصة يفسر لماذا لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه فيما أن الذين يؤمنون بالمسيح يعرفونه لأنه يقيم معهم (يو 14، 17).

688- وإذ كانت الكنيسة هي الشركة الحية لإيمان الرسل الذي تنقله فهي موضع معرفتنا للروح القدس 

  • في الكتب التي أوحي بها،
  • في التقليد وآباء الكنيسة له شهود أبدا حاليون،
  • في سلطة الكنيسة التعليمية التي يرافقها،
  • في ليتورجيا الأسرار من خلال أقوالها ورموزها حيث يجعلنا الروح القدس قي شركه مع المسيح،
  • في الصلاة التي يشفع لنا فيها،
  • في المواهب والخدمات التي تُبنى بها الكنيسة، 
  • في علامات الحياة الرسولية والإرسالية،
  • في شهادة القديسين حيث يظهر قداسته ويواصل عمل الخلاص.
  1.  
  2. 1.الرسالة المشتركة بين الابن والروح القدس 

689- هذا الذي أرسله الآب إلى قلوبنا روح ابنه هو في الحقيقة إله واحد الجوهر مع الآب والابن لا ينفصل عنهما سواء كان ذلك في حياة الثالوث الحميمة أو في موهبة محبته للعالم ولكن أن عبدت الكنيسة الثالوث الأقدس المحي الواحد الجوهر وغير المنقسم فإيمانها يعترف بتميز الأقانيم وعندما يرسل الآب كلمته يرسل أبدا روحه: رسالة مشتركة حيث الابن والروح القدس متميزان ولكن غير منفصلين أجل إن المسيح هو الذي يظهر هو الصورة المنظورة لله غير المنظور ولكن الروح القدس هو الذي يكشفه.

690 يسوع هو مسيح ممسوح لأن الروح القدس هو الدهن وكل ما يجرى انطلاقا من التجسد هو من هذا الامتلاء وأخيرا عندما تمجد المسيح صار بإمكانه هو أيضا أن يرسل الروح من عند الآب إلى الذين يؤمنون به فهو يشركهم في مجده أي بالروح القدس الذي يمجده فالرسالة المشتركة سينشر عملها في الأبناء الذين تبناهم الآب في جسد ابنه ستقوم  رسالة روح التبني بان تضمهم إلى المسيح وان تحييهم فيه فكرة المسحة توحي بان ليس هنالك أي بعد بين الابن والروح القدس فكما انه بين سطح الجسد ومسحة الزيت لا يعرف العقل ولا الحس أي وسيط هكذا يكون مباشرا اتصال الابن بالروح بحيث أنه لا بد لمن سيتصل بالابن بالإيمان من أن يلقى أولا الزيت باللمس وهكذا فما من جزء عار من الروح القدس ولهذا فالاعتراف بسيادة الابن تجري في الروح القدس للذين يتقبلونها إذ يأتي الروح القدس من كل جهة إلى أمام الذين يقتربون بالإيمان 

2- اسم الروح القدس وتسمياته ورموزه  اسم علم الروح القدس 

691 روح قدس هذا اسم علم من نعبده ونمجده مع الآب والابن الكنيسة تقبلته من الرب وتعترف به في معمودية أبنائها الجدد. اللفظة روح ترجمه للفظة العبرانية روح ومعناها الأول نفس هواء ريح ويسوع يستعمل صورة الريح الحسية هذه لكي يوحي لنيقوديمس بالجدة السامية في الذي هو شخصيا نفس الله الروح الإلهي والي ذلك فروح وقدس صفتان إلهيتان يشترك فيهما الأقانيم الثلاثة ولكن بجمع هاتين اللفظتين يدل الكتاب المقدس والليتورجيا واللغة اللاهوتية على أقنوم الروح القدس الذي لا يوصف من غير التباس ممكن بالمدلولات الأخرى للفظتين روح” و “قدس.

تسميات الروح القدس 

692- يسوع عندما يعلن مجيء الروح القدس ويعد به يسميه البارقليط ومعناه حرفيا “الذي يدعى إلى قرب” ad-vocatus /  • Paraklhtoj( يو 14، 16. 26؛ 15، 26؛ 16، 7) وبارقليط تترجم عادة بالمعزي إذ أن يسوع هو المعزي الأول والرب نفسه يسمي الروح القدس روح الحق.

693- وفضلا عن اسم علمه الأكثر استعمالا في أعمال الرسل والرسائل نجد عند القديس بولس التسميات التالية: روح الموعد (غل 3، 14، أف 1، 13) وروح التبني (رو 8، 15، غل 4، 6) وروح المسيح (رو 8، 9) وروح الرب( 2 كو 3، 17) وروح الله (رو 8، 9. 14؛ 15، 19؛ 1كو 6، 11؛ 7، 40) وعند القديس بطرس روح المجد( 1 بط 4، 14).

رموز الروح القدس 

694- الماء: رمز الماء يعبر عن عمل الروح القدس في المعمودية إذ انه يصبح بعد استدعاء الروح القدس العلامة السرية الفاعلة في الولادة الجديدة فكما أن حبل ولادتنا الأولى جرى في الماء كذلك يعني ماء المعمودية في الحقيقة أن ولادتنا للحياة الإلهية  نُعطاها في الروح القدس ولكن “إذ كنا معمدين في الروح واحد” فنحن” مسقيون من روح واحد( “1 كو 12، 13): فالروح هو إذًا شخصياً الماء الحي الذي يتفجر من المسيح المصلوب كما من ينبوعه، والذي ينفجر فينا حياة أبدية.

695 المسحة: رمز المسح بالزيت يعنى أيضا الروح القدس، إلى حد انه يصبح مرادفاً له. وهو، في التنشئة المسيحية، العلامة الأسرارية لسر التثبيت، الذي تدعوه بحق كنائس الشر سر الميرون.

ولكن، لكي ندرك كل قوة تلك المسحة، يجب الرجوع إلى المسحة الأولى التي قام بها الروح القدس:

مسحة يسوع. فالمسيح واللفظة مشتقة من العبرية “ماسيا” يعنى “المسوح” من روح الله هناك أناس “ممسوحون” من قبل الرب في العهد القديم، وبنوع خاص الملك دواد. ولكن يسوع هو الممسوح من الله بشكل فريد: فالبشرية التي اتخذها الابن هي بكاملها “ممسوحة من الروح القدس” فيسوع قد أقيم “مسيحا” بالروح القدس. وبالروح القدس حبلت مريم العذراء بيسوع وهو الذي بواسطة الملاك أعلن بيسوع مسيحا عند ولادته، وحمل سمعان على المجيء على الهيكل ليشاهد مسيح الرب وهو الذي ملأ المسيح، وقدرته هي التي كانت تخرج من المسيح لدى قيامه بأعمال شفاء وخلاص. وهو الذي أخيرا أقام يسوع من بين الأموات. ويسوع إذ ذاك، وقد أقيم بشكل كامل “مسيحا” في بشريته المنتصرة على الموت، يفيض بسخاء الروح القدس، إلى أن يكون القديسون، في اتحادهم ببشرية ابن الله، “هذا الإنسان الكامل.. الذي يحقق ملء المسيح” (أف 4، 13): “المسيح الكلي” بحسب تعبير القديس أوغسطينوس.

696- النار غيما الماء تعني الولادة وخصب الحياة التي يهبها الروح القدس، ترمز النار إلى قدرة أعمال الروح القدس المحولة فالنبي إيليا، الذي “قام كالنار، وكان كلامه يتوقد كالمشعل” (سير 48، 1) أنزل على ذبيحة جبل الكرمل نار السماء، وهي صورة النار الروح القدس يحول ما يلمسه ويوحنا المعمدان، “الذي سار أمام الرب بروح إيليا وقدرته” (لو 1، 17 )، بشر بالمسيح معلنا أنه هو “الذي سيعمد بالروح القدس والنار”(لو 3، 16 )، هذا الروح الذي سوف يقول عنه يسوع: “لقد جئت لألقى على الأرض ناراً، وكم أود لو تكون قد اضطرمت” (لو 12، 49) وبهيئة ألسنة “كأنها من نار”، حل الروح القدس على التلاميذ في صباح العنصرة، وملأهم منه ولقد حفظ التقليد الروحي رمز النار هذا كأفصح تعبير عن عمل الروح القدس:  “لا تطفئوا الروح( “1 تس 5، 19).

697- السحابة والنور. هذان الرمزان لا ينفصلان في تجليات الروح القدس. فالسحابة منذ ظهورات الله في العهد القديم، تارة مظلمة وتارة منيرة، تكشف الله الحي والمخلص، وهي تحجب سمو مجده: مع موسى على جبل سيناء، وفي خيمة الموعد، وفي أثناء المسيرة في الصحراء، ومع سليمان لدى تكريس الهيكل. فهذه الصور قد أتمها المسيح في الروح القدس. فالروح القدس هو الذي حل على مريم العذراء وظللها لتحبل بيسوع وتلده وهو الذي، على جبل التجلي، “أتى في السحابة التي ظللت “يسوع وموسى وإيليا، وبطرس ويعقوب ويوحنا. وانطلق من السحابة صوت يقول: “هذا هو ابني ،مختاري، فاسمعوا له” (لو 9، 35)، والسحابة عينها هي أخيراً التي “أخذت يسوع عن عيون التلاميذ في يوم صعوده إلى السماء، والتي سوف تكشف أنه ابن البشر في مجده في يوم مجيئه الثاني.”

698- الختم: هو رمز قريب من رمز المسحة. فالمسيح هو “الذي ختمه الله نفسه” (يو 6، 27) وفيه يختمنا الآب نحن أيضا. وإن صورة الختم، لكونها تدل على مفعول مسحة الروح القدس الذي لا يمحى في أسرار المعمودية والميرون والكهنوت قد استعملها بعض التراثات اللاهوتية لتعبر عن “الوسم” الذي لا يمحى الذي تطبعه تلك الأسرار التي لا يجوز تكرارها للشخص الواحد.

699- اليد: إن يسوع، بوضعه يديه، شفى المرضى وبارك الأولاد الصغار. وكما فعل هو فعل الرسل على مثاله وباسمه وأفضل من ذلك فالروح القدس إنما يعطى بوضع أيدي الرسل  وتورد الرسالة إلى العبرانيين وضع الأيدي في عداد “الأمور الأساسية” من تعليمها. وتلك العلامة لسكب الروح القدس بكامل قدرته، قد حفظتها الكنيسة في صلوات استدعاء الروح القدس في الأسرار.

700- الإصبع: كان يسوع “بإصبع الله يخرج الشياطين” وإن كانت شريعة الله قد كتبت على ألواح من حجر “بأصبع الله” (خر 31، 18)، فإن “رسالة المسيح” التي فوضت إلى الرسل، “قد كتبت بروح الله الحي لا في ألواح من حجر، بل في ألواح من لحم، في القلوب(“2 كو 3، 3) والنشيد “تعال أيها الروح الخالق” يبتهل إلى الروح القدس داعياً إياه “إصبع يمين الآب”.

701- الحمامة في نهاية الطوفان (الذي يتعلق رمزه بالمعمودية)، عادت الحمامة التي أطلقها نوح وفى فمها ورقة زيتون خضراء، دلالة على أن الأرض صارت من جديد قابلة للسكنى. وعندما خرج المسيح من ماء معموديته، نزل الروح القدس بهيئة حمامة وحل عليه. والروح ينزل ويحل في قلب المعتمدين المطهر وفى بعض الكنائس يحفظ القربان المقدس، الزاد الإفخارستي، وفى وعاء من معدن بهيئة حمامة معلق فوق الهيكل. إن رمز الحمامة للإشارة إلى الروح القدس هو تقليدي في الفن الإيكونوغرافي المسيحي.

3- الروح وكلمة الله في زمن المواعيد

702- من البدء حتى “ملء الزمان”، ظلت في الخفاء رسالة الابن وروح الآب المشتركة ولكنها كانت تعمل ففيها هيا روح الله زمن الماسيا، وكلاهما، ولم ينكشفا بعد تماما، كانا موضوع الوعد ،لكي ينتظرهما الناس ويقبلوهما لدى تجليهما، لذلك عندما تقرأ الكنيسة العهد القديم، تبحث فيه ما يريد الروح “الناطق بالأنبياء” أن يقوله لنا عن المسيح.

بلفظه “الأنبياء” يعنى إيمان الكنيسة كل الذين ألهم الروح القدس في الكرازة الحية وفى تدوين الأسفار المقدسة، سواء كان ذلك في العهد القديم أو في العهد الجديد. أما التقليد اليهودي فيميز الناموس (الأسفار الخمسة الأولى)، والأنبياء الأسفار التي ندعوها تاريخية ونبوية، والكتب ولا سيما الحكيمة، وبنوع خاص المزامير.

في الخلق 

703- كلمة الله وروحه هما في أصل كيان وحياة كل خليقة: “للروح القدس أن يملك على الخليقة ويقدسها، لأنه إله واحد في الجوهر مع الآب والكلمة … إن الروح القدس هو مبدأ الحياة وله الكرامة، فإنه كان يؤيد البرايا كلها ويصونها في الآب بالابن.”

704- “أما الإنسان فقد صنعه الله بكلتا يديه أي الابن والروح القدس… ورسم على الجسد المصنوع صورته الخاصة، بحيث أن حتى ما هو مرئي يحمل الهيئة الإلهية .”

روح الوعد

705- الإنسان، وإن شوهته الخطيئة والموت، يبقى “على صورة الله”، على صورة الابن، ولكنه “يعوزه مجد الله”، ويعوزه “المثال” إن الوعد الذي أعطى لإبراهيم قد افتتح تدبير الخلاص، الذي في نهايته اتخذ الابن “الصورة” وأعاد إليها المثال مع الآب واهبا لها من جديد المجد، الروح المعطى الحياة.”

706- لقد وعد الله إبراهيم، على خلاف كل رجاء بشري، بنسل يكون ثمرة الإيمان وقدرة الروح القدس، وفيه تتبارك جميع أمم الأرض. وهنا النسل هو المسيح الذي حقق فيض الروح القدس فيه وحدة أبناء الله المشتتين. إن الله، بالت ازمه بقسم، التزم في الوقت عينه بأن يهب لنا ابنه الحبيب ،وروح الموعد القدوس لفداء الشعب الذي افتتاحه الله.

في الظهورات الإلهية والناموس 

707- إن الظهوارت الإلهية (تجليات الله) قد أنارت طريق الوعد، من الآباء إلى موسى ويشوع حتى الرؤى التي افتتحت رسالة الأنبياء الكبار. وقد اعترف التقليد المسيحي على الدوام أن كلمة الله هو الذي كان يسمع ويروى في تلك الظهورات الإلهية. إنه الكلمة الموحى به، والذي في الوقت عينه ” تظلله سحابة الروح القدس.

708- هذا النهج التربوي الإلهي ظهر بنوع خاص في عطية الناموس فقد أعطى الناموس “كمؤدب” يرشد الشعب إلى المسيح. ولكن عجزه عن خلاص الإنسان الفاقد “المثال الإلهي” ومعرفة الخطيئة التي أكسبه إياها بازدياد، أيقظا فيه رغبة الروح القدس. وتشهد على ذلك تنهدات المزامير.

في المملكة والسبي

709- كان على الناموس، وهو علامة الوعد والعهد، أن يسوس قلب الشعب الذي تكون من إيمان إبراهيم، ويسوس مؤسساته: “إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي مملكة وأمة مقدسة”(خر 19، 5- 6). ولكن بعد داود، سقط إسرائيل في تجربة أن يصير مملكة كسائر الأمم .بيد أن الملكة، موضوع الوعد الذي وعد به الله داود، ستكون عمل الروح القدس، وهي الملك وت الذي يحصل عليه الفقراء بالروح.

710- إن نسيان الناموس وعدم الأمانة للعهد قادا إلى الموت: فكان السبي، الذي هو في الظاهر إخفاق للمواعيد، ولكنه في الواقع أمانة في السر من قبل الله المخلص، وبدء تجيد موعود به، ولكن بحسب الروح كان لابد من أن يخضع شعب الله لتلك التنقية فالسبي، منذ حدوثه، يحمل في تصميم الله ظل الصليب، والبقية من الفقراء التي تعود منه هي إحدى صور الكنيسة الأكثر شفافية.

ترقب الماسيا وروحه 

711- “هاءنذا آتى بالجديد” (أش 43، 19): هناك خطان نبويان يرتسمان، يتعلق أحدهما بترقب الماسيا، والآخر بالتبشير بروح جديد، ويتلاقيان في “البقية” الضئيلة، شعب الفقراء، الذي ينتظر في الرجاء “تعزية إسرائيل” “وفداء أورشليم” (لو 2، 25. 38).  أرينا سابقاً كيف أتم يسوع النبوءات المتعلقة به. لذلك نقتصر هنا على تلك التي يظهر فيها الارتباط بين الماسيا وروحه.

712- إن تقاسيم وجه الماسيا المنتظر تظهر أولاً في كتاب عمانوئيل “عندما شاهد أشعيا في الرؤيا مجد” المسيح: (يو 12، 41). ولا سيما في( أش 11، 1- 2): “ويخرج غصن من جذع يسى، وينمى فرع من أصوله، عليه يحل روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح العلم ومخافة الرب”

713- تقاسيم الماسيا كشفتها بنوع خاص أناشيد عبد الله. وقد أنبأت تلك الأناشيد عن معنى آلام يسوع، ودلت هكذا على الطريقة التي سوف يفيض فيها الروح القدس لإحياء الكثيرين: ليس من الخارج، بل باتخاذه “صورة عبد( “في 2، 7) إنه، باتخاذه موتنا، استطاع أن يهبنا روح الحياة ،الذي هو روحه الخاص.

714- لذلك استهل المسيح إعلان البشرى السعيدة لتطبيق المقطع التالي من أشعيا على نفسه (لو 4، 18- 19): “روح الرب علىّ، لأنه مسحني لأبشر الفقراء وأرسلني لأنادي للمأسورين بالتخلية، وللعميان بالبصر، ولأطلق المرهقين أحرار، وأنادي بسنة قبول عند الرب.”

715- النصوص النبوية المتعلقة مباشرة بإرسال الروح القدس هي نبؤات يخاطب فيها الله قلب شعبه بلغة الوعد، مع نبرات الحب والأمانة، التي أعلن القديس بطرس تحقيقها في صباح العنصرة .

فيحسب تلك الوعود، سيجدد روح الرب في “الأزمنة الأخيرة” قلوب الناس، إذ يحفر فيها شريعته الجديدة، فيجمع الشعوب المشتتة والمنقسمة ويصالحها؛ ويحول الخليقة الأولى، ويقيم الله فيها سكناه مع البشر في السلام.

716- إن شعب “الفقراء”، أولئك المتواضعين والودعاء ،المستسلمين كلياً لمقاصد الله السرية، الذين ينتظرون العدل، لا من الناس، بل من الماسيا، هو في النهاية العمل الأكبر لرسالة الروح القدس الخفية في زمن المواعيد تهيئة لمجيء المسيح وجودة قلبهم، المنقى والمستنير بالروح هي التي تعبر عنها الم ازمير في أولئك الفقراء، هيا الروح للرب “شعبا مستعداً”.

4- روح المسيح في ملء الزمان يوحنا السابق والنبي والمعمدان

717- “كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا” (يو 1، 6) إن يوحنا قد “امتلأ من الروح القدس وهو بعد في بطن أمه” (لو 1، 15)، بوساطة المسيح نفسه الذي كانت مريم العذ ارء منذ فترة وجيزةقد حبلت به من الروح القدس. “وزيارة” مريم لأليصابات صارت هكذا زيارة الله نفسه التي بها افتقد شعبه.

718- يوحنا و “إيليا المزمع أن يأتي”: إن نار الروح قد حلت فيه وجعلته “كسابق” يسير أمام الذي كان آتيا في يوحنا السابق، أتم الروح القدس عمله بأن “يهيئ للرب شعبا مستعدا” (لو 1، 17).

719- يوحنا “أفضل من نبي” فيه أكمل الروح القدس “النطق بالأنبياء “لقد ختم يوحنا مجموعة الأنبياء التي افتتحها إيليا فبشر بقرب تعزية إسرائيل، إنه “صوت” المعزى الذي كان آتيا (يو 1، 23)، وعلى غرار روح الحق “فقد جاء للشهادة، ليشهد للنور” (يو 1، 7). في نظر يوحنا، الروح يتم هكذا “بحث الأنبياء” و “اشتهاء “الملائكة: “إن الذي ترى الروح ينزل ويستقر عليه، هو الذي يعمد بالروح القدس، فذلك ما قد عاينت، وأشهد أن هذا هو ابن الله .. ها هوذا حمل الله” (يو 1، 33- 36).

720- وأخي اًر مع يوحنا المعمدان يفتتح الروح القدس، بصورة مسبقة، ما سوف يحققه مع المسيح وفيه: أي أن يعيد للإنسان “المثال” الإلهي. معمودية يوحنا كانت للتوبة، أما المعمودية في الماء والروح فستكون ولادة جديدة.

افرحي، يا ممتلئة نعمة

721 مريم، والدة الإله الكلية القداسة والدائمة البتولية، هي أروع عمل أنجزته رسالة الابن والروح في ملء الزمان. للمرة الأولى في قصد الخلاص، وجد الآب السكنى حيث يستطيع ابنه وروحه أن يقيما بين البشر، ذلك أن روحه هو الذي هيا تلك السكنى وفى هذا المعنى أرى مرار تقليد الكنيسة ،في قراءته أجمل النصوص في الحكمة، علاقة بين تلك النصوص ومريم. فالليتورجيا ترنم لمريم وتتمثلها كأنها “عرش الحكمة”. فيها تجلت أولا “عظائم الله” التي سوف يحققها الروح في المسيح والكنيسة.

722- فالروح القدس هيا مريم بنعمته، فقد كان يليق بأن تكون “ممتلئة نعمة” أم الذي فيه “يحلكل ملء اللاهوت جسديا” (كو 2، 9) فبمحض نعمة، حبل بها دون خطيئة كأوضع الخلائق والأكثر قدرة على تقبل عطية الله القدير التي تفوق الوصف. وبحق حياها الملاك جبرائيل تحية “ابنة صهيون”: “افرحي” وما رفعته إلى الآب في الروح القدس في نشيدها، وهي تحمل في حشاها الابن الأزلي، إنما هو شكر شعب الله كله، أي الكنيسة.

723- وفى مريم، حقق الروح القدس قصد الله العطوف. فبالروح القدس، حبلت مريم بابن الله وولدته. وقد صارت بتوليتها الفريدة خصبا بقدرة الروح والإيمان.

724- وفى مريم، أظهر الروح القدس ابن الآب الذي صار ابن العذراء. أنها العليقة المتقدة للظهور الإلهي لقد ملأها الروح القدس فأظهرت الكلمة في تواضع جسده وعرفته للفقراء ولبواكير الأمم.

725- وفي مريم أخيرا بدأ الروح القدس يشرك بالمسيح الناس موضوع حب الله العطوف مسرة الله وقد كان على الدوام المتواضعون أول الذين قبلوه الرعاة المجوس سمعان وحنة عروسا قانا والتلاميذ الأولون. 

726- في ختام رسالة الروح صارت مريم المرأة حواء الجديدة أم الأحياء أم المسيح الكلي وبتلك الصفة هي حاضرة مع الاثني عشر المواظبين على الصلاة بنفس واحدة (رسل 1، 14)في فجر الأزمنة الأخيرة التي افتتحها الروح القدس في صباح العنصرة مع تجلي الكنيسة.

المسيح يسوع 

727- كل رسالة الابن والروح القدس في ملء الزمان متضمنة في أن الابن هو الممسوح من روح الآب منذ تجسده يسوع هو المسيح ماسيا على هذا الضوء يجب أن يقرأ كل فصل الثاني من قانون الإيمان أن عمل المسيح بمجمله هو رسالة الابن والروح القدس المشتركة وسنقتصر هنا على ذكر ما يتعلق بوعد الروح القدس من قبل يسوع وبمنحة إياه من قبل الرب الممجد. 

728- أن يسوع لم يكشف كشفا تاما الروح القدس طالما هو نفسه لم يمجد بموته وقيامته ولكنه أشار إليه شيئا فشيئا حتى في تعليمه الجماهير عندما كشف أن جسده سيكون غذاء لأجل حياة العالم وأشار إليه أيضا في حديثة مع نيقوديموس والسامرية وكل الذين كانوا يشاركون في عيد المظال وقد كلم تلاميذه عنه بصراحة في معرض الصلاة والشهادة التي سوف يتوجب عليهم أن يؤدوهما.

729- إلا أن يسوع لم يعد بمجيء الروح القدس إلا عندما حانت الساعة التي سوف يمجد فيهاإذ أن موته وقيامته سيكونان تحقيق الوعد الذي أعطى للآباء أن روح الحق المعزى الاخر سيهبهالآب جوابا عن صلاة يسوع سيرسله الآب باسم يسوع سيرسله يسوع من لدن الآب لأنه ينبثق منالآب الروح القدس سيأتي سنعرفه وسيكون معنا على الدوام ويقيم معنا على الدوام ويقيم معناسيعلمنا كل شيء ويذكرنا بكل ما قاله لنا يسوع وسيشهد له سيرشدنا إلى الحقيقة كلها وسيمجد يسوع أما العالم فسيفحمه الروح القدس بشأن الخطيئة والبر والدينونة.

730- وأخيرا أتت ساعة يسوع استودع يسوع روحه بين يدي الآب في اللحظة التي انتصر فيها على الموت بموته بعد أن أقيم من بين الأموات بمجد الآب (رو 6، 4) أعطى على الفور الروح القدس إذ نفخ في تلاميذه ومنذ تلك الساعة صارت رسالة المسيح والروح القدس رسالة الكنيسة كما أن الآب أرسلني كذلك أنا أرسلكم (يو 20، 21). 

5 – الروح والكنيسة في الأزمنة الأخيرة العنصرة 

731- في يوم العنصرة في نهاية الأسابيع الفصحية السبعة اكتمل فصح المسيح في انسكاب الروح القدس الذي أظهر ووهب ومنح كأقنوم إلهي أن المسيح الرب من ملئه قد أفاض الروح بسخاء .

732- في ذلك اليوم اكتمل وحي الثالوث القدوس ومنذ ذلك اليوم صار الملكوت الذي بشر به المسيح مفتوحا أمام الذين يؤمنون به في وضاعة الجسد وفي الإيمان يدخلون منذ الآن في شركة الثالوث القدس بمجيئه وهو لا يزال يأتي يدخل العالم في الأزمنة الأخيرة زمان كنيسة الملكوت الذي صار ميراثنا منذ الآن ولنا يكتمل بعد: لقد نظرنا النور الحقيقي وأخذنا الروح السماوي و وجدنا الإيمان الحق فنسجد للثالوث المنقسم لأنه خلصنا .

الروح القدس- هبة الله 

733- الله محبة( 1 يو 4، 8. 16) والمحبة هي الهبة الأولى وهي تتضمن كل الهبات الأخرى وهذه المحبة قد أفاضها الله في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطيناه (رو 5، 5).

734- لأننا مائتون أو على الأقل مجروحون بالخطيئة المفعول الأول لعطية المحبة هو غفران الخطية أن شركة الروح القدس (2 كو 13، 13) هي التي في الكنيسة تعيد إلى المعمدين المثال الإلهي المفقود بالخطيئة.

735- وهو يعطي إذ ذاك عربون أو بواكير مي ارثنا أعنى حياة الثالوث القدوس نفسها التي تقوم على أن نحب كما أحبنا هذه المحبة (ارجع المحبة في 1 كو 13)هي مبدأ الحياة الجديدة في المسيح التي صارت ممكنة لأننا نلنا قوة هي قوة الروح القدس (رسل 1، 8). 

736- بقدرة الروح هذه يستطيع أولاد الله أن يحملوا ثمار أن الذي طعمنا على الكرمة الحقيقية يعطينا أن نحمل ثمر الروح وهو المحبة والفرح والسلام وطول الأناة واللطف والصلاح والأمانة والوداعة والعفاف (غل 5، 22– 23) الروح هو حياتنا وبقدر ما ننكر ذواتنا نسلك أيضا بحسب الروح من يتحد بالروح القدس يجعله الروح القدس روحيا ويعيده إلى الفردوس ويرده إلى ملكوت السماوات وإلى التبني الإلهي ويهبه الثقة ليدعو الله أبا ويشترك في نعمة المسيح ويدعى ابنا للنور ويصير له نصيب في المجد الأبدي .

الروح القدس والكنيسة 

737- إن رسالة المسيح والروح القدس تتحقق في الكنيسة جسد المسيح وهيكل الروح القدس هذه الرسالة المشتركة تضم من الآن فصاعدا المؤمنين بالمسيح إلى شركتهما مع الآب في الروح القدس فالروح يهيئ الناس ويستدركهم بنعمته ليجتذبهم إلى المسيح انه يظهر لهم الرب القائم ويذكرهم كلامه ويفتح ذهنهم لفهم موته وقيامته يجعل حاضرا لديهم سر المسيح وبنوع خاص في الافخارستيا ليصالحهم ويدخلهم في الشركة مع الله لكي يجعلهم يأتون بثمر كثير.

738- هكذا لا تضاف رسالة الكنيسة إلى رسالة المسيح والروح القدس بل هي سرها أنها مرسله بكل كيانها وفي جميع أعضائها لتبشر بسر شركة الثالوث القدوس وتشهد له وتحققه وتنشره هذا سيكون موضوع المقال التالي : 

نحن جميعنا الذين نالوا الروح الواحد نفسه أي الروح القدس قد انصهرنا في ما بيننا ومع الله ذلك أنه مع كوننا كل بمفردة كثيرين ومع كون المسيح يجعل روح الآب وروحة الخاص يسكن في كل منا هذا الروح الواحد وغير المنقسم يعيد بذاته إلى الوحدة جميع الذين هم متميزون في ما بينهم ويجعلهم يظهرون واحدا بالذات وكما قدرة بشرية المسيح المقدسة تجعل كل الذين توجد فيهم يكونون جسدا واحدا بالطريقة عنها اعتقد أن روح الله الذي يسكن فينا الواحد وغير المنقسم يعيدهم جميعا إلى الوحدة الروحية. 

739- لأن الروح القدس هو مسح المسيح، فالمسيح، أرس الجسد، هو الذي يفيضه في أعضائه ليغذيهم، ويشفيهم، وينظمهم في وظائفهم المتبادلة، ويحييهم ويرسلهم للشهادة، ويضمهم إلى تقدمة ذاته إلى الآب وإلى شفاعته من أجل العالم كله بأسرار الكنيسة يمنح المسيح أعضاء جسده روحهالقدوس والمقدس وهذا سيكو ن موضوع الجزء الثاني من التعليم.

740- إن “عظائم الله” هذه، المقدمة للمؤمنين في أس ارر الكنيسة، تحمل ثمارها في الحياة الجديدة ،في المسيح، بحسب الروح )هذا سيكون موضوع الجزء الثالث من التعليم.

741- “الروح يعضد ضعفنا، لأنا لا نعرف كيف نصلى كما ينبغي؛ لكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات تفوق الوصف” (رو 8، 26). الروح القدس، صانع أعمال الله، هو معلم الصلاة هذا سيكون موضوع الجزء الرابع من التعليم.

بإيجاز: 

742- “الدليل على أنكم أبناء، كون الله أرسل إلى قلوبنا روح أبنه، ليصرخ فيها أبا، أيها الآب “(غل 4، 6).

743- من البدء وحتى انقضاء الزمن، عندما يرسل الله ابنه، يرسل دوما روحه رسالتهما مشتركة وغير منفصلة.

744- في ملء الزمان، أكمل الروح القدس في مريم كل التحضيارت لمجيء المسيح في شعب الله. بعمل ال روح القدس فيها، أعطى الآب العالم عمانوئيل: “الله معنا” (متى 1، 23).

745- ابن الله كرس مسيحا (ماسيا) بمسحه الروح القدس في تجسده.

746- إن يسوع، بموته وقيامته، قد أقيم ربا ومسيحا في المجد. ومن ملئه أفاض الروح القدس على الرسل والكنيسة.

747- الروح القدس، الذي يفيضه المسيح، الأرس، في أعضائه، يبنى الكنيسة ويحييها، ويقدسها .إنها سر اتحاد الثالوث القدوس بالبشر.