Search

الأحد الثالث – يسوع والسامرية

jesus_gives_the_living_water_for_salvation

في البداية لنتَعرفَ على مَن هم السامريون  في الكتابِ المقدس…بعد موتِ الملكِ سليمانَ سنة 931، انقسمت البلادُ هنا إلى مملكتين، هما: الأولى مملكةُ الشمال، وهي دولةُ إسرائيلَ وعاصمتُها السامرة، والثانية مملكةُ الجنوبِ وهي دولةُ يهوذا وعاصمتُها اورشليم؛ في عام 721 هجم الأشوريون واحتلوا مملكةَ الشمال، مملكةَ إسرائيل، وقاموا بنفي نُخبةٍ من سكانِها لقَمعِ التمردِ والثورةِ عليهم، وبالمقابل احضروا شعباً وثنياً دخيلاً ليعيشَ في ارضِ إسرائيل؛ وخلالَ 135 سنة من التعايشِ والتزاوجِ بين اليهودِ والوثنيين، أدى إلى ولادةِ نسلاً جديداً يُسمى “السامريين”. فيما بعد، نشأت عداوةٌ بينهم وبينَ اليهود، ففي سنةِ 412، قام نحميا بطردِ رجلٍ من عائلةِ الكاهن الأعظم، بسبب زواجه من ابنةِ حاكم السامريين، مما جَعلهم ينسحبون إلى جبل جرزيم، ويبنون لهم هيكلا مقابلا لهيكلِ اورشليم، يؤدون فيه العبادة ويقدمون الذبائح؛ يؤمن السامريون فقط بالكتب الخمسةِ الأولى لموسى.

بعد أنّ تَعرفنا على السامريين، وماضيهم، يجب أن ننظر بتلك النظرةِ إلى حادثة يسوع والسامرية، حادثةِ رجلٍ وامرأة، يهودي وسامرية، مؤمن وخاطئة؛ تأملي، يتمحور حول محورين أو مرحلتين، مرحلةِ ما قبلُ ومرحلةِ ما بعدُ؛ في بدايةِ اللقاء، طلب منها يسوع خدمةً إنسانية، عندما قال:”اسقيني”، قابلتُه بالرفض، حفاظا منها على العُرف الاجتماعي “أنّ اليهودَ لا يخالطون السامريين”؛ وبعدَها تدرجَ يسوعُ معها في الحوار، لينقُلَها إلى انه هناكَ ماءٌ من نوعٍ آخر، ماءٌ يروي عطشاً لا يُرتوى إلا به، وبالمقابل كانت السامرية تتخبطُ في فَهمِها له، فهي تريدُ أن لا تعودَ لترتوي، وهو يريدُ بها عينَ ماءٍ يتفجرُ حياةً أبدية.

وتستمرُ دهشةُ السامرية بالمسيح، فترى به نبيا عندما يكشفُ لها حقيقتَها الخاطئة، وتتكلل دهشتُها عندما تعرف انه المسيحُ المنتظر؛ عندها لم تبقَ على حالها ولم تكتم صدمتَها وفرحتَها، بل شاركتها بأهلِ بلدتِها؛ إخوتي ما رأيناه هي مرحلةُ “ما قبل”، هي مرحلة ما كانت عليه تلك المرأة قبل لقائها بالمسيح، كانت سامرية، خاطئة، خجولة (عند البئر ظهرا، لان عادة النساء قديما أن تستقي في الصباح) عطشى لأمورٍ كثيرة، تعرفُ دينَها وعاداتها، معرفةً سطحية؛ أما الأن دعونا ننظر إلى المرحلة التالية، وهي مرحلة “ما بعدَ” لقائها بالمسيح، فهذه المرأةُ التي التقت بالمسيح عند بئرِ يعقوب، البئرِ الذي كان بمثابة جُرنِ معموديتِها، معموديةِ الشوق، بها خلعت إنسانها القديم، بما يحوي من شوائِبَ، ولبست إنسانها الجديد متزينةً بالفضائل؛ هذه المرأةُ أتت خاطئة، تهربُ من مواجهةِ الناس، خجولةً من نفسها لما ترتكبُ من شرور، فإذ بها تعود مؤمنةً، مبشرةً، لا تهربُ من مواجهة الناس لا بل تركضُ مسرعةً اليهم، وتبحثُ عنهم، تزفُّ لهم البشارة وتُشاطِرُهُم خلاصَها، ومن غَمرةِ فرحَتِها، تركت لا بل رذَلت جرتَها ونسيت عَطَشَها المادي؛ إخوتي هذه المرأةُ، التي أتت سامرية، لم تعد سامريةً بل رجِعت مسيحيةً فَرحةً مبشرةً بعمادها.

أعزاءي، الله لا يُكَلِمُنا في العجائبِ والانخطافاتِ الروحية، اللهُ يكلمنا بأبسطِ الأمورِ والأقلُ إثارةً وانتباهاً؛ فيسوع لم يقل للسامرية، سوى كلمةِ “اسقيني”، كلمةٍ بسيطةٍ عابرةٍ لا تكادُ أن تُقال؛ وشربةُ الماء هذه كانت مفتاحاً لارتدادها؛ المسيح طلبَ منها أن تسقيهِ ماءً، فسقَتهُ بتوبَتِها؛ وها نحنُ في زمنِ الصوم، هو زمنُ ارتدادٍ وتوبةٍ بالدرجةِ الأولى، بدون توبةٍ يرفض اللهُ صيامَك ولا يَقبلُه، بدون توبة تكون قد منعتَ جسدَك عن الطعامِ بلا فائدةٍ ولا أجرٍ سماوي، ولا ربحتَ سماءً ولا أرضاً؛ التوبةُ ليست مقتصرةً على زمن الصوم فقط، بل في زمن الصوم يزدادُ التدربِ على التوبة، لتصبحَ منهجَ حياةٍ، ونعيشها في أيامنا حتى بعد انتهاءِ صيامِنا. في زمن الصوم تكثر الحروبُ مع الشيطان، فهو يقدم لنا إغراءاتٍ جديدةً لم تكن متاحةً لنا من قبل، فقط ليفقِدَنا طهارةَ صيامنا، فإما أن ننتصرَ نحن بنعمةِ الله، أو ينتصرَ هو بضُعفِ الإنسان.

أخيرا، لنلتمس من الأمِ العذراء، ملجأ كلِّ خاطئ، وأمِ كل تائب؛ أن تصليَ من أجلِنا نحن الخطأة، لنَتَقوى أمامَ التجارب، ونَنجوَ من الشرير. أمين

 

صقر حجازين

Facebook
WhatsApp
Email