Search

مشورة المرتابين – المطران وليم شوملي

wiliiamshomali

مشورة المرتابين

        يحدث أحيانا أنك تتردّد أمام منعطف حاسم، وتحتار لأنَّك لا تعرف أي قرار تأخذ، علمًا بأنَّ قرارك سيحدّد مستقبلك. وربما تمرّ بأزمة إيمانية تجرح علاقتك بالله وتجعلك تبتعد عن الصلاة والكنيسة. وربما تأخذك الحيرة قبل أن تتقدم لوظيفة أو تُقدِم على شراء بيت أو على خطبة أو زواج، أو التكرس لله. وتتساءل أيضًا: كيف أتصرف مع شخص أساء إليّ؟

ما العمل للخروج من الحيرة؟

        الحل هو التفكير الهادى والصلاة والإستعانة بالعقلاء.  وصدِّق مَن قال: “مَن شاور الناس، شاركهم عقولهم”. في هذه الحالة تمنعك المشورة من التهوّر.

        ونتساءل: مَن نستشير؟ وهل نستطيع أن نُشيرَ على غيرنا إذا لم يطلبوا رأينا؟ وماذا يقول الكتاب المقدس في المشورة؟

مَن أستشير؟ يجب تجنّب الأشخاص الذين يبحثون عن مصلحتهم أو مَن هم بدون خبرة في الموضوع. ويقول الكتاب المقدس متهكّما: “لا تستشِر الكسلان في أمر الشغل، ولا الجافي في الرقة، ولا الجبان في الحرب”. (يشوع 37: 11). بل ٱطلب رأي مَن يتقي الرَّبّ ويشعر معك في أفراحِك وأحزانِك. ٱستشر إنسانًا يُحسِن الإصغاء. فالطبيب الناجح يسمع شهادة المريض ومعاناته ويطرح عليه الأسئلة اللازمة قبل أن يُشخّص المرض ويُعطي الدواء. ٱستشر إنسانًا مليئًا بالروحِ القُدُس. فالمشورة هي هبة منه ومَن يسكُنُه روحُ الله يقدر أَن ينصح غيره. وإذا قرأتَ الكتاب المقدس، وهو مِن إلهام الروح القدس، ستجد الجواب الشافي لسؤالك. أليس يسوع هو الطريق والحق والحياة؟

هل يجوز إعطاء نصيحة إذا لم يُطلب مني؟ إعطاء النصيحة ليس فقط جائزًا بل واجب، حتى إذا لم أكن متأكدًا من قبول الشخص لها. لنبحث عن الوقت المناسب، والأسلوب المناسب كي نضمن قبوله لها. ولنحاول إقناعه أن ذلك لخيره وليس لمصلحة طرف آخر.

        في كلِّ الأحوال إسداء النصيحة واجب. إذا كان أعمى يسير بٱتجاه حفرة فهل بإمكانك السكوت بحجة أنه لم يطلب مشورتك؟ وإذا رأيتَ ٱبنك يتصرف بجهالة وأنّ تصرفه سيقوده إلى نتائج وخيمة، هل تتركه وشأنه بحجة ٱحترام حريته؟

        لم ينتظر السامري الصالح من الإنسان المجروح إشارة بل تطوَّع لمساعدته بدافع من ضميره. إن المشورة للمترددين والمرتابين هي عمل من أعمال الرَّحمة الرُّوحية. وهي أهم من الصدقة لأنها تنقذ إنسانًا من حالة يائسة وبائسة وتضعه في الصراط القويم.

ماذا يقول الكتاب المقدس؟ يتحدث يشوع بن سيراخ عن الأصدقاء الكاذبين ويقول: “لا تعتمد على هؤلاء لشيء من المشورة” (يشوع 37: 11). ولكن “لازم الرجل التقي، مَنْ علِمتَه يحفظ الوصايا، ونفسُه كنفسِك. وإذا سقطت يتوجّع لك” (37: 12).

ويذكر الإنجيل حادثتين مارس فيهما يسوع النصح والارشاد دون أن يُطلب منه.

  • كانت المرأة السامرية فاسدة ومتكبِّرة. في البداية لم تطلب من يسوع أية مشورة بل ٱحتقرته لكونه مختلفًا عنها. ولكنه شعر بضرورة إخراجها من حالة الخطيئة. تدرّج معها في النقاش وكشف لها بؤسها وفشلها في الزواج. وفي النهاية آمنت به ومضت إلى شعبها لتُعْلِمهم أنها وجدت المسيح.
  • عاد تلميذًا عماوس إلى قريتهما وهما مُحبَطان لأنَّ يسوع الناصري الذي وضعا فيه رجاءَهما قد مات مصلوبًا ولم يحقّق الآمال المعلّقة على شخصه. وإذا بيسوع يمشي معهما، ويُصغي إليهما قبل أن يفسِّر لهما الكتب ويفتح أذهانهما فيما يتعلق بالمسيح. نجح في ٱستمالتهما إليه وٱرتاحا إلى حديثه الشيّق. وٱعترفا لاحقًا: “أمَّا كانت قلوبنا تتّقد في صدورنا حين كان يُحدّثنا في الكتب”. (لوقا 24: 32).

        ما أحوجنا اليوم إلى كهنة وراهبات، وإلى رجال ونساء يملؤهم روح الله يساعدوننا للوصول إلى مَن هو الطريق والحق والحياة. ما أحوجنا إلى مَن يوجّهنا إلى إرادة الله وٱستكشاف تدبيره الإلهي على حياتنا.

        وقبل أن نُشير على غيرنا لا بدّ أن نكون ممتلئين حكمة وعِلمًا وفطنة. وإلاَّ فإنَّ فاقِدَ الشيءِ لا يُعطيه، وإذا كان أعمى يقود أعمى، فإنَّ كليهما يقعان في الحفرة.

+ المطران وليم شوملي.

القدس في 1 نيسان 2016

Facebook
WhatsApp
Email