Search

التراث العربي المسيحي القديم

الفصل الواحد والعشرون

دراسات حول بعض اللاهوتيين العرب

(9) غبريال بن تُريك
البطريرك السبعين (1131-1145)

(من كتاب: “مجموع قوانين غبريال بن تُريك” للاب انطونيوس مينا، سلسلة التراث العربي المسيحي 12، 1993، ص 77-89)
(عن كتاب: “المسيحية والحضارة العربية”، تأليف الاب جورج قنواتي، دار الثقافة 1992، ص262)
(عن مقال للارشمندريت اغناطيوس ديك:”تحقيق كتاب مجموع قوانين غبريال بن تريك” المسرة، 2002، عدد 855، ص 129-136)
(عن مقالات من الانترنت)

يعتبر بن تريك من اهم البطاركة الذين جلسوا على الكرسي البطريركية في الكنيسة القبطية في تلك الفترة.

1- ميلاده ونشأته
وُلد صاعد بن تُرَيْك (وليس تَريِك)، الملقب بأبي العَلاء، سنة 1084م، في فسطاط مصر، شريف من اعيان الكُتّاب، من عائلة عريقة في الحسب والجاه. (ساويروس (تاريخ) مجلد 3 جزء 1، ص 25).

وكان ميله كنسيا منذ نشأته. يقول مرقس بن زرعة:

“كان يعمل موضعا من دار ابيه مثل كنيسة، وكان يقرأ فيها، كأنه يقدس، ثم يبارك على اهل دار ابيه، ويلعب وهو طفل، ويقول لهم: “انا بطرككم”. ويلبس مئزرة حرير كانت له مثل القصلة” (المرجع السابق ص. 26).

2- عائلته

كان والده تريك قسا، ترمل فيما بعد، وكان متقشفا رغم غناه، يعيش حياة طاهرة، ثم سعى الى الدرجة الاسقفية. ولما طُلِبَ بمال لرسامته، أبى ان يتقدم لهذه الدرجة عن طريق الرشوة، وكف عن طلب الاسقفية، وكرس ماله لبناء كنيسة القديس ميخائيل، في اثناء حبرية البطريرك ميخائيل السنجاري (1092-1102م). وقد اثر هذا الدرس العملي، في حياة البطريرك غبريال، ودفعه لمحاربة السيمونية.

3- علمه ووظائفه

كان بن تريك عالما فاضلا، ذا سيرة حميدة، وعاش عيشة التقشف والزهد كما عاش ابوه. واتصف ايضا بالزهد والتقوى والورع والعطاء بسخاء. حفظ الكثير من الالحان الكنسية واجزاء من الكتب المقدس. 

كما وكان كاتبا متفوقا، ملما بعلوم الكنيسة المقدسة، مقتدرا في اللغتين القبطية والعربية، وكان ناسخا ماهرا، قام بنسخ عدة كتب قبطية وعربية لنفسه، بخط يده. يقول مرقس بن زرعة:

“عالم خبير.. ومجتهد في قراءة الكتب وتفسير معانيها والبحث عنها، ناسخ جيد قبطي وعربي، ينسخ لنفسه كتب كثيرة، ومجلدات اشتراها، من كتب العتيقة والحديثة مما يصلح للبيعة المقدسة، والدين المسيحي” (ساويروس (تاريخ)، مجلد 3 جزء 1، ص 25-26).

كان يعمل في ديوان الانشاء ايام الحافظ لدين الله الفاطمي، ووقع من نفسه موقعا قريبا، فكان من كبار الموظفين، وكان رئيسه الوزير احمد بن الفضل. أما عن الوظائف التي شغلها، فيقول اسقف فوه:

“كان قد تربى في الديوان، فمن ديوان الخراج، الى ديوان المكاتبات، ثم الى ديوان المال، وكان غير مفارق لبيعة مرقوره ليلا ونهارا، مع ما هو فيه من خدمة السلطان” (يوساب في كامل (سيرة) ص 11). 

ونلاحظ ان اشغاله المدنية لم تمنعه قط عن اهتماماته الروحية، وانصرافه الى خدمة الله والكنيسة. ولما اراد تكريس حياته للخدمة في كنيسة ابي سيفين، سمح له الوزير ان يحتفظ بمركزه في الديوان مع قبوله الشماسية، لاستقامة حياته وعظم امانته وقدرته على تصريف الامور. فسيم شماسا، في كنيسة القديس ابي مرقوره بمصر. وقد نسخ كتبا كثيرة قبطية وعربية فوعى محتوياتها وفهم معانيها.

4- انتخابه وسيامته

بعد وفاة أنبا مقار البطريرك، في 19 كانون ثاني 1128م، وكثرة والتنافس على البطريركية، لم ينتخب الاساقفة بطريركا آخر بدلا منه، وظل الكرسي البطريركي شاغرا لاكثر من سنتين. وكانت احوال الكنيسة فيها سيئة للغاية، فعاش الاقباط في فقر شديد. الامر الذي جعلهم غير قادرين عن دفع مبلغ يتراوح بين ثلاث الاف الى ستة الاف دينار لخزينة الدولة لاستصدار مرسوم التنصيب، ويرجع سبب ذلك الى الضرائب الباهظة التي فُرضت بسبب الحرب الصليبية.

كما ازداد الامر صعوبة بسبب اثنين من المسئولين وكراهيتهما للمسيحيين، احدهما مسلم وهو ابن ابى قيراط، والاخر سامري ويدعى ابراهيم، فلجأ إلى تضليل الخليفة بالقول بأن الأقباط جمعوا أموال الكنائس، وأعطوها للفرنجة لمساعدتهم، وإزاء هذا أمر الخليفة بمصادرة أي أموال قبطية، سواء كانت خاصة بالكنيسة أو بأفراد الأقباط، وظل الحال كذلك حتى قتل احدهما في ظل الفوضى التي سادت البلاد، وبعد ذلك، سمح الوزير حفيد بدر الجمالي برسامة بطريرك للأقباط، فتم انتخاب غبريال بطريركا ( 3 شباط 1131)، بمبادرة من شيوخ الشعب، والشيخ ابي البركات بن يوحنا من ابي الليث، الملكي المذهب، صاحب ديوان التحقيق. 

ولاختياره قصة يذكرها اسقف فوه:

“كان في برية أبي مقار، رجل قديس سرياني الجنس، مشهور بالقداسة وصنع العجائب وعلم الغيب، يسمى انبا يوسف. ولما حضر اليه شيوخ أبي مقار، وبكوا على فقدهم البطريرك انبا مقار، وعلى أنه لا يوجد من يحل مكانه، عزاهم انبا يوسف. فسألوه عن حال من يقوم بعده، فقال لهم: “ومن يعرف ذلك”. ولما تنصفوا معه في الحديث، قال لهم: “يا أبهاتي ايش هو هذا ابن تريك؟”، فقالوا له: “انه كاتب”، وسألوه عن علاقته بهذا الموضوع، فقال: “لا ادري الا شيء يسمعني في أذني ويقول ابن تريك، ابن تريك”. فتغامز بعضهم لبعض، لأنهم يعرفون ان الشيخ لم يعرف ابن تريك قط قبل ذلك” (برساب في كامل (سيرة) ص 12).

“وكان متقدما في الدولة وقتئذ رجل يدعى ابا البركات بن يوحنا بن ابي الليث الملكي المذهب، وكان كاتبا لوزير الدولة، وكان متوليا ديوان التحقيق، في الوزارة الأفضلية، وكان هذا الكاتب محبا للقبط، ويدخل كنائسهم، ويتقرب فيها، فسأله كتّاب الدولة ان يتوسط لهم لدى الوزير، ليسمح لهم بتقديم بطريرك، فقبل سؤالهم وكلفهم ان يقدموا من يختارونه للبطريركية” (يوساب في كامل (سيره) ص 13).

ويكمل اسقف فوه قائلا:

“وقع تخيير الشعب عليه، ولم يحضروا احدا من الرهبان ولا من الاساقفة، لأن هذا الأمر كان بغتة، ومضوا الى من اتفق حضوره من الاساقفة، فحضر اسقف البنوانبن وهو كبير الاساقفة، واسقف الخندق، واسقف مصر”.

“ثم اجتمعوا بالشيخ أبي البركات المذكور، وعرفوه بالقضية، ففرح بذلك لمعرفته بابن تريك. وتقدموا للوزير وسألوه وشكروا فيه أمامه، فزاد في عينيه رغبة، وقال: “من كان على هذه الطريقة، لا يفرط فيه”. فألحوا في الطلب، وسألوه حتى فسح لهم بأخذه، وكان ذلك بتاريخ 847 للشهداء”.

“ثم طلعوا به المعلقة، وألبسوه ثياب الرهبنة والاسكيم، وللغد اخذوا عشارى (نوع من السفن العربية) من الذي للوزير، موكبي، وركب معه جماعة من الاسكندرية، فكرز بها، كما جرت العادة، ثم قدس وكرز بها” (يوساب في كامل (سيره) ص 14).

ويعتبر غبريال من القلائل الذين انتخبوا للبطريركية، من خارج السلك الرهباني، وكان عمره حينئذ، كما يذكر مرقس بن زرعة (ساويروس (تاريخ)، مجلد 3، جزء 1، ص 26)، سبعا واربعين سنة. وتم انتخابه في يوم الثلاثاء التاسع من امشير سنة 847 للشهداء (الموافق 3 شباط 1131 م)، في خلافة الحافظ لدين الله، ووزارة أحمد بن الافضل.

واختار غبريال كاتما لاسراره، وكاتبا للقلاية، الانبا بطرس اسقف سرسنا، ولم يكن يعرف العربية وانما القبطية فقط.

5- سجنه

كان غبريال محبوبا لدى الشعب، فعندما قبض عليه الأمير حسن بن الحافظ لدين الله وسجنة، طلبا للمال، جمع له الكتّاب والتجار والشعب المبالغ المطلوبة، فأفرج عنه.

6- مرضه ووفاته

في اوائل عام 1144م، مرض غبريال مرضا شديدا، اشرف فيه على الموت، يقول ابن زرعة:

“وكان البطريرك المذكور، قد مرض مرضا شديدا، اشرف منه على التلف، فرأى في منامه كأن جماعة كهنة ورهبان ومعهم اناجيل وصلبان ومجامر، وقالوا له: “جئنا نفتقدك اليوم، وانت تبرأ من مرضك هذا، ولكن نحن نعود اليك في العام القابل، في مثل هذا الزمان، ونأخذك معنا” فعوفي من مرضه في تلك الدفعة، ومن بعد سنة مرض وتنيح” (ساويروس (تاريخ)، مجلد 3، جزء 1، ص 28).

ويذكر اسقف فوه ان هذا المرض كان في ثالث احد من الصوم الكبير، ثم اعتراه المرض دفعة اخرى، في اليوم الخامس والعشرين من شهر هاتور سنة 861 للشهداء (= 21 تشرين ثاني 1144م)، يوم عيد الشهيد مرقوريوس ابي سيفين، اذ لما استعد للقداس شعر بتوعك، وبعد القداس اعترته حمى وازدادت حالته سوءا في التاسع من برموده (= 4 نيسان 1145م). (يوساب في كامل سيره) ص 62-63).

لما شعر البطريرك بدنو أجله، أحضر كهنة مصر، وسلمهم ما عنده مما يخص الكنيسة. كما أبرأ ذمة الانبا بطرس، اسقف سرسنا، كاتب القلاية، مما كان يقترضه منه.

وفي ليلة الجمعة، توفي البطريرك، ودفن في كنيسة ابي مرقوره، ثم نقل جسده الى دير اب مقار، ببرية شيهات.

وتعتبره الكنيسة القبطية في مصاف القديسين، وتحتفل بعيده يوم 10 برموده (= 5 نيسان حسب التقويم المصحح او 18 منه). كما تحتفل الكنيسة الاثيوبية بعيده في 10 ميازية (= 6 نيسان).

7- مميزات شخصيته

(1) حبه للفقراء والغرباء والمرضى
اشتهر غبريال بن تُريك منذ حداثته، بحبه للفقراء والغرباء والمرضى، وباهتمامه بكل من يحتاج الى مساعدة. فنقرأ عند مرقس بن زرعة:
“ذات سيرة جميلة وصدقة كثيرة وبرّ ومعروف، محبا للصلوات والقداسات وخدمة الكنائس والغرباء والمرضى، مفتقدا للارامل والايتام، ومن في السجون والضيق”. (ساويروس (تاريخ)، مجلد 3، جزء 1 ص 25).

(2) حكمته في ادارة الكنيسة
كما اشتهر غبريال بالحكمة وحسن ادارة الكنيسة، وتظهر حكمته في مواقف كثيرة، منها موقفه من كنيسة الحبشة، عندما طلب الاحباش منه ومن الخليفة في الوقت نفسه، سيامة اساقفة اكثر عددا من المعتاد، فصدر أمر الخليفة باجابتهم الى طلبهم. لكن غبريال اعتذر للخليفة موضحا له ان الحبشة ستستقل بذلك عن طاعة بطاركة مصر، وتطغى على من يجاورها من المسلمين، فاقتنع الخليفة. وها هي القصة كما سردها مرقس بن زرعة:

“ملك الحبشة طلب أبا ميخائيل، واسمه قبل قسمته حبيب، وطلب منه ان يكرز له اساقفة زائد عن العدة الجاري بها العادة المعروفة المقررة من قديم الزمان فامتنع من ذلك وقال: “ما أقدر ان اعمل شيئا الا برأي البطرك”

“فانفذ الملك الى البطريرك كتابا يسأله في ذلك، وكتابا آخر يصحبه رسوله الى ملك مصر، فخرج أمر الخليفة الى البطريرك باجابته الى طلبه”.

“فاعتذر عن ذلك، وقال للخليفة: “يا مولاي، اذا صارت الاساقفة عند الحبشة أكثر من هذه العدة، تجاسروا على قسمة مطران وطغوا نفوسهم من طاعة بطاركة مصر، واستغنوا عنهم، وصاروا يقيمون لنفوسهم، وما يبقى لهم ببطاركة مصر حاجة، ولا يودوا لهم طاعة ويخرجهم ذلك الى العداوة والمحاربة لمن هو متاخم بلادهم من المسلمين، فيخل منهم النظام، وتكثر فيهم الحروب، كما كانوا يفعلون في قديم الزمان في ايام فرعون وموسى ومن تقدمه من ملوك الفراعنة، فانهم كانوا يغزونهم في البر والبحر، والاخبار بذلك مدونة في سير الاوائل”. (ساويروس (تاريخ) مجلد 3، جزء 1، ص 34-35).

ولكن الاحباش خالفوا أمره، ورسموا عدة اساقفة ليتم العدد اثنى عشر واقاموا لهم مطرانا. وكان المطران الذي عينه البطريرك مريضا، فكتب للبطريرك غبريال لملك الحبشة يعاتبه على ما فعل، وحرم كل من دعا الى ذلك وكل من ساعد عليه.

ويذكر اسقف فوه ان الملك والاساقفة الجدد والمطران ماتوا جميعا فعرفوا خطأهم وأرسلوا لغبريال يستعطفونه، فكتب اليهم كتابا يباركهم. (يوساب في كامل (سيرة) ص 25-26).

(3) مقدرته على الاعتراف بخطئه
ومن خصاله ايضا، الاعتراف بخطئه، عند اللزوم، والندامة عليه، وتفصيل ذلك في قصة حكمه المتسرع على أبي اليمن بن العميدي، ذكرها لنا مرقس بن زرعة، قال:

“وكان رجل من اولاد الكتّاب المميزين، ممن له تقدمة في قومه ورئاسته، يسمى أبا اليمن ابن العميدي، فترك الخدم والتصرف ولزم خدمة كنيسة القديس ابو جرج بدير الين، فنقل الناس السوء للبطريرك أنبا غبريال عنه كلاما زسجا (كذا)، قصدوا به فساد حاله عنده، وان يخرجوه من البيعة المذكورة، أو يكونوا أبصروا عليه شيئا منكرا أنكروه”.

“فلما أعلموا البطريرك بذلك، لم يمكنه الصبر عن النظر فيما قالوه والبحث عنه، فصعب ذلك على أبي اليمن ابن العميدي، وخرج من مذهبه. فعظم أمره على الأب البطريرك وندم عليه غاية الندم، ولم يرجع بعده يتشدد على احد، خوفا ان يفعل مثله”. (ساويرس (تاريخ) مجلد 3، جزء 1، ص 34-35). 

(4) كان مُصلِحا وطقسيا وقانونيا كنسيا
أ‌- أصدر أمره بمنع دفن الموتى بالكنائس لدرجة أنه أمر بإغلاق كنيسة حارة الروم لأن شعبها خالف تعليماته ودفن قمصا فيها، ولكنه عاد بناء على رجاء الاراخنة فيها، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أنه حمل جسد الأنبا مكاريوس سلفه إلى دير أبو مقار، وكان مدفونا في الكنيسة المعلقة، كما أصدر أمره بمنع تقديم ذبيحة على اسم الملاك ميخائيل لأن الذبيحة لا تُقَدِّم إلا على اسم الله، كما منع الكهنة من شرب الخمر، وحارب السحر والشعوذة والتنجيم والتسري، وبخصوص التسري: امتنع بعض الاغنياء عن تنفيذ تعليماته في هذا الشأن فدعا عليهم، فلم ينقض زمن طويل حتى بادوا جميعا، حارب السيمونية ورسم في عهده ثلاثة وخمسين أسقف للأيبارشيات القبطية، كما لم يدع هذا البابا لنفسه أي سلطة على أموال الكنائس وأموال اعانات الفقراء.

ب‌- من اهم انجازاته الطقسية ترتيب طقوس اسبوع الآلام، وكانت القوانين الرسولية حتى زمانه تقضي بقراءة العهدين القديم والجديد مدة هذا الاسبوع بلا ترتيب بَيِّن، ولذا فقد كان غالبية الشعب يقرأها لذاته وحده، أي أنها لم تكن تُقرأ على مسامع جميع الشعب، فجمع هذا البطريرك العلماء ورؤساء الكهنة، وبعض رهبان دير ابى مقار ووضع ترتيبا، وعمل كتابا لذلك أسماه “البصخة المقدسة”. ومن الأمور التي دفعته إلى ذلك أن أكثر مَنْ كانوا يعملون في دواوين الدولة كانت لا تمكنهم ظروفهم من استكمال هذه الخدمات، ومما هو جدير بالذكر أن كتاب “البصخة المقدسة” نظمه بصورة أدق الأنبا بطرس أسقف كرس البهنسا (بجوار بنى فرار الان). كان البابا غبريال بن تريك هو أول من أصدر أمره إلى جميع الكنائس بقراءة الاناجيل والخطب الكنسية وغيرها باللغة العربية في الكنائس، وذلك بعد قراءتها باللغة القبطية، لأنه وجد أن الجميع يتكلمون اللغة العربية، حتى يفهم المصلى ما يقرأ.

8- مؤلفاته
ترك غبريال بن تريك عدة مؤلفات علاوة على مجموع القوانين المنشور في هذا المجلد، وتدور جلّها حول مواضيع قانونية وطقسية تخص الاصلاح الكنسي:

– مجموعة ال 32 قانونا، هي مراسيم إصلاحية أصدرها بُعيد انتخابه البطريركي وأُعلنت في الكنائس.
– مجموعة التسع قوانين، هي خلاصة القوانين السابقة موجهة الى كهنة الاسكندرية.
– مختصر من قوانين الملوك (القانون الروماني، قانون تيودوسيوس، تشريع جوستنيان).
– مختصر في احكام المواريث. تارخ الـتاليف مجهول. والداعي لتأليفه هو تضارب أحكام المواريث على مر العصور.
– قانون في خدمة البيعة (لم يصل الينا).
– كتاب البصخة: وهو ترتيبات خاصة لقراءات الكتاب المقدس في اسبوع الآلام.

الا ان اهم كتبه هو:
– كتاب مجموع القوانين: هو أكبر مؤلفات غبريال بن تريك حجما وأغزرها موضوعا.
– كتاب مجموع القوانين:
“وجدت الكنيسة القبطية نفسها أمام بحر زاخر بالمصادر القانونية القديمة باللغتين اليونانية والقبطية يمثل ما آل اليها من كتابات الآباء وقوانين المجامع. وعندما صارت اللغة العربية لغة البلاد المصرية اضطرت الكنيسة القبطية الى تعريب هذا التراث الكبير. بقيت هناك مشكلة اتساع هذا التراث وغزارته وصعوبة استعماله وتطبيقه العملي، وذلك لعدم ترتيبه تحت موضوعات محددة. فقد عالج كل مصدر قانوني المشاكل التي ظهرت في عصره كلما دعت الحاجة. لذلك كثر التكرار في المصادر بل تضاربت قوانينها في بعض الاحيان. من هنا كانت الحاجة ماسة لنوع آخر من الأدب القانوني ألا وهو “مجموع القوانين” ليُستخلص من المصادر والمجموعات القانونية المفيد والضروري ويوفّق بينها، وينظمها في ابواب منفصلة، فينحصر الكرم عن الموضوع الواحد في باب مستقل”.

وكان ابن تريك سيّاقا في هذا المضمار وتبعه آخرون، اشهرهم الصفي ابن العسال.

ألف ابن تريك كتابه قبل ان يصبح بطريركيا (أي قبل 1131) وهو ليس فيه مشرّعا بل كاتبا ينسق النصوص القانونية القديمة. وظل نص الكتاب مجهولا حتى منتصف القرن العشرين. ولقد اكتُشف في مخطوط البطريركية القبطية، الرقم 13، وهو مخطوط مبتور أوله وفيه بعض النواقص. وتبين انه كتاب ابن تريك بمقارنة محتويات المخطوط مع ما يذكره المؤرخ القبطي القديم ابو البركات (القرن الرابع عشر) عن كتاب مجموع القوانين لغبريال ابن تريك. ولم يُعثر على مخطوط آخر لهذا المؤلف النفيس. فعليه اعتمد الاب انطونيوس عزيز مينا لتحقيق النص ونشره.

يشتمل كتاب مجموع القوانين لغبريال بن تُريك على اثنى عشر بابا:

1- في ترتيب الكنيسة ووقودها وستورها.
2- في الاساقفة وقضاء احوالهم وخلفائهم (وهو اهم الأبواب وأطولها).
3- في الرعاة الصالحين والرعاة السوء.
4- في القسوس.
5- في الشمامسة واختلاف كقوسهم والشماسات والارامل ومن معهم.
6- في الارامل والعذارى يعني الراهبات.
7- في النساء اللواتي يكنّ قوابل.
8- في المقربين للكهنوت ووضع اليد والمعمودية والقداسات والقرابين.
9- في ما يحذره الكهنة وما يلزم الاكليروس.
10- يشتمل على عدة نواميس للكهنة.
11- في القرابين والعشور ومن يجب ان يؤخذ منه صدقة ومن لا يجب ان يؤخذ منه.
12- في من يحاسب الاسقف او يسبّه او يقول كلمة سوء.

ويرد في كل باب ما جاء في المصادر القانونية القديمة المشتركة بين كافة الكنائس الشرقية حول الموضوع. وكانت هذه المصادر قد تُرجمت الى العربية قبع عهد غبريال بن تُريك وإن كان الأب سمير خليل ينسب اليه ترجمة بعض هذه القوانين. وهذه هي المصادر:

1) الدسقولية (la Didascalée) او تعليم الرسل، 2) قوانين الرسل، 3) قوانين المجامع: مجمع نيقية، انقرا، نيوقيصرية انطاكية واللاذقية، وسرديقا (وكلها من القرن الرابع)، 4) قوانين الملوك (هي احكام مدينة مأخوذة عن القانون الروماني. ترجمت الى السريانية في القرن الخامس وبعدها ترجمها الملكيون الى العربية حوالي السنة 1100، وأخذها عنهم اموارنة والاقباط مع بعض التعديلات)، 5) قوانين الآباء: ابيفانيوس، باسيليوس، هيبوليتس، يوحنا فم الذهب، اثناسيوس.

هذه المصادر كلها لا تتعدى مطلع القرن الخامس وتعكس وضع المجتمع المسيحي في تلك القرون الأولة. ولما أصبح غبريال بن تُريك بطريركا سنّ بعض القوانين المناسبة لعصره (القوانين ال 32 والقوانين التسعة) إلا انه يستند في معظمها على كتابه السابق: مجموعة القوانين.

يكشف لنا كتاب مجموع قوانين غبريال بن تُريك جانبا هاما من حياة الكنيسة القبطية وتراثها. ونستشف منه أيضا حيوية الكنيسة الملكية في مصر. فمسيحيو مصر لم يكونوا كلهم اقباطا. فقسم هام منهم اقروا بالمجمع الخلقيدوني وظلوا قائمين بشعبهم وإكليروسهم وأديرتهم.