Search

خميس الصعود

The_Ascension-2

من مواعظ القديس أغسطينس الأسقف

لم يصعد أحد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء

اليومَ صعِدَ ربُّنا يسوعُ المسيحُ إلى السماء. لِيصعَدْ قلبُنا معه.

        لِنَسمَعِ الرسولَ يقول: “فَأمَّا وَقَد قُمْتُم مَعَ المَسِيحِ، فَاسعَوْا إلَى الأمُورِ الَّتِي فيِ العُلَى، حَيثُ المَسِيحُ قَد جَلَسَ عَن يَمِينِ الله. ارغَبُوا فِي الأمُورِ الَّتِي فِي العُلَى، لا فِي الأمُورِ الَّتِي عَلَى الأرضِ” (قولسي 3: 1- 2). كما أنّه صعِدَ، من غيرِ أن يبتعدَ عنّا، كذلك نكونُ نحن معه حيث يكونُ، وإنْ لم تَتِمَّ لنا المواعدُ بعدُ بحسبِ الجسد.

        رُفِعَ فوقَ السماوات. ولكنّه ما زالَ يتألَّمُ في الأرضِ بكلِّ ألمٍ نشعُرُ به نحن أعضاءهُ. وقد شهدَ هو نفسُه لهذا الأمرِ لمّا استوقفَ بولسَ وهتفَ به: “شَاوُل، شَاوُل، لِمَاذَا تَضطَهِدُنِي” (أعمال 9: 4)؟ ولمّا قالَ أيضًا: “لأنِّي جُعْتُ فَأطعَمْتُمُونِي” (متى 25: 35).

        ولماذا لا يكونُ عَناؤُنا نحن أيضًا على الأرضِ بهذه الطريقة، فبما أنَّنا  متَّحِدون به بالإيمانِ والرجاءِ والمحبّة، نستشعرُ معه بالراحةِ التي في السماء؟ مع كونِه هناك، هو معَنا هنا أيضًا. ونحن مع كونِنا هنا، نحن معه أيضًا هناك. هو يقدِر أن يكونَ هنا وهناك، بأُلوهيّتِه وقدرتِه ومحبّتِه. ونحن، إنْ لم نقدِرْ على ذلك من حيث الألوهيَّةُ، إلا أنّنا قادرون بالحبِّ الذي لنا فيه.

         هو لم يبتعِدْ عن السماءِ لمّا انحدرَ منها إلينا. ولا ابتعدَ عنّا لمّا عادَ ثانيةً إليها. وأنَّه كانَ هناك لمّا كانَ هنا، يشهدُ بذلك هو لمّا قال: “مَا مِن أحدٍ يصعدُ إلى السماءِ إلا الذي نزَلَ من السماء، وهو ابنُ الإنسانِ الذي في السماوات” (ر. يوحنا 3: 13).

        قالَ ذلك ليَدُلَّ على وحدتِنا: لأنّه رأسُنا ونحن جسدُه. ولا يقدِرُ أحدٌ غيرُه أن يقومَ بمثلِ هذا. فنحن أيضًا صِرْنا مِثلَه لمّا صارَ ابنَ الإنسانِ من أجلِنا، وصِرْنا نحن أبناءَ اللهِ من أجلِه.

        ولهذا قالَ الرسول: “كَمَا أنَّ الجَسَدَ وَاحِدٌ وَلَهُ أعضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَأنَّ أعضَاءَ الجَسَدِ كُلَّهَا عَلَى كَثرَتِهَا لَيسَتْ إلا جَسَدًا وَاحِدًا، فَكَذَلِكَ المَسِيحُ” (1 قورنتس 12: 12). لم يقُلْ: “مثلَ المسيح” في ذاتِه، بل قال: “فكذلك المسيح” بالنسبةِ إلى كاملِ جسدِه. فللمسيحِ إذًا أعضاءٌ كثيرةٌ وجسدٌ واحدٌ.

        نزلَ من السماءِ رحمةً بنا، وهو وحدَه صعِدَ عائدًا إلى السماء، وأمّا نحن فبالنعمةِ صعِدْنا معه. لم يَنـزِلْ إلا المسيحُ، ولم يصعَدْ إلا المسيحُ. وهذا لا يَعني أنَّ كرامةَ الرأسِ غابَتْ في الجسد، بل إنَّ وحدةَ الجسدِ لا تنفصلُ عن الرأس.

 

Facebook
WhatsApp
Email