Search

تأمل الأحد السابع من الزمن العادي: الطالب الإكليريكي رامز طوال

“العين بالعين والسن بالسن” والبادي أظلم!

تضع أمامنا الكنيسة المقدسة في الأحد السابع من زمن السنة العادي ،مقطعاً آخر من تعاليم السيد المسيح في العظة على الجبل ، نجده في بشارة القديس متى الفصل الخامس ويبتدئ النص الإنجيلي بمقولة ” العين بالعين والسن بالسن، وأستطيع ان أضيف عليها تتمة وهي  ” والبادي أظلم”، فتصبح العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم..  هذه هي الشريعة السريعة التي يطبقها أغلب الناس في العالم على مدار الازمنة والتاريخ في مختلف جوانب الحياة، فمن تعدي علي اتعدى عليه ،… ولكم ان تتخيلوا كثرة الامثلة.

نرى في القراءة الأولى من الأحد السابع طلب الله من شعبه بشكل صريح وواضح أن يكونوا قديسين،إذ يقولُ في سفر الاحبار من العهد القديم، “كونوا قِدِّيسين، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ إِلهَكم قُدُّوس” ويختتم يسوع كلامه في إنجيل اليوم  في نفس المبدأ “كونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويَّ كامِل”

إذ يحثنا يسوع المسيح على السير نحو القداسة، ويشرح لنا الشريعة الجديدة، شريعته التي يرد ان يطبعها في قلوبنا، لنصبحَ شهودا فرحيين حقيقين وممتلئيين محبة ورجاء للجميع بدون أي استثناء. أن نشهد عنه في حاضرنا اليوم الذي يشهد ظلمٌ واضطهادُ وتنمرُ على الاخر والضعيف بشكل كبير ومؤلم، اذ لم يعد للانسانية صوت عالي في حياتنا، بل لشريعة الانتقام.

بالعودة إلى النص المقدس، يخاطبنا يسوع ببعض التناقضات التي ليس من السهل علينا الانقياد لها؛

إذ يخاطبنا عن أسلوب جديد في التعامل والرد على موضوع الانتقام فيقول له المجد “سَمِعتُم أَنَّه قيل: العَينُ بِالعَين والسِّنُّ بِالسِّنّ. أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: لا تُقاوِموا الشِّرِّير، بَل مَن لَطَمَكَ على خَدِّكَ الأَيْمَن فاعرِضْ لهُ الآخَر”، عند قراءتنا لهذا النص نستشعر في داخِلنا ضعف شديد وكأن السيد المسيح يدعونا الى الخنوع للقوي وعدم الرد والمواجه، وهذا يا أخوتي أبعد ما يكون عن قلب كلام السيد المسيح الموجه لهم في ذلك الوقت ،ولنا اليوم.

فيسوع لا يريدنا ان نرد الشر الذي تلقيناه بالشر، بل علينا أن نسعى في الرد عليه بخير عظيم يفوق حجم الشر الذي أصابنا. وهنا يطرح السؤال هل نقدر ان نرد الشر بالخير!! هل استطيع ان اغفر لمن اساءة لي! أم أبحث عن وسيلة ما للانتقام،! وبذلك أصبح “انا” أسير للخطيئة ومقيد وفاقدٌ لحريتي وسلامي الداخلي، ويصبح كل هاجسي كيف أرد على من اساءة لي.

ثم يكمل يسوع تعليمه فيقول: “سَمِعتُم أَنَّه قِيل: أَحْبِبْ قَريبَك وأَبْغِضْ عَدُوَّك. أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم” فيسوع يطلب مِنا الحب وأعطائه لمن لا أقدر أن اتعامل معه في حياتي، فمن يريد أن يتبع يسوع عليه بالحقيقة الاجتهاد لبذل ذاته بالمحبة بدون انتظار مقابل وهذا ليس بالأمر البسيط على الأطلاق، بل يتطلب منا جرأةٌ وقوةُ وثباتُ وأعظمهم الإيمان، نكون قادرين على ملئ فجوات نقص الحب في العالم…..فهل نتحلى بهذا الصفات؟ وهل نستطيع أن نقدم الحب عل مثال السيد؟.

قصة…محبة الأعداء

أبان الاضطهاد الشديد  الذي قام به الأمبراطور نيرون على المسيحيين، لجأت إحدى العائلات الى أحد الكهوف، لتختبئ فيه.، وكان هذا الكهف معروفا لدى الجنود الرومان والعائلة لم تكن تعرف ذلك! لم تمضي بضعة أيام حتى داهمت ذلك الكهف كتيبة من الرومان بحثا عن من فيه. ولدى دخولهم بمشاعلهم المضيئة وهم يسيرون بخطوات ثقيلة، حدث زلزال في ذلك الجبل، وابتدأت الأرض تهتز والتراب يتساقط من كل مكان. هب الجنود هرعا الى خارج الكهف، بغية إنقاذ حياتهم، لكن في أثناء ذلك، تعثر أحدهم هاويا الى أسفل الكهف، حيث لم يكن أي نور. توقف للحظة بعض من رفاقه الجنود، لكنهم عندما أدركوا عمق الحفرة، وما يحدث في ذلك الكهف، إذ كانت الحجارة تتساقط، إنصاعوا الى أوامر قائدهم، وتركوا رفيقهم، إذ ليس هناك أمل في إنقاذه، بينما هو يصرخ طالبا المعونة. رجع الهدوء الى الكهف، ولم يزل ذلك الجندي الروماني في قعر الحفرة. وفجأة سمع صوت خطوات خفيفة، آتية  من فوق. فابتدأ من جديد ينادي طالبا المساعدة. لم يكن يعلم بأن الذي فوق، هو نفس تلك العائلة المسيحية، التي جاء هو للقبض عليها وقتلها.

فهل يمدون يد المساعدة لمن جاء ليقتلهم؟.

مرة أمام أعين أب ذلك الاسرة  تخيلات ومشاهد كثيرة، فلم يخفى لديه معرفة قلوب هؤلا الجنود القساة، ولا كيف كانوا يرمون اطفال المسيحين للحيوانات المفترسة. لكنه تذكر أيضا قول يسوع “احبوا اعداءكم. وصلّوا لاجل مضطهديكم”، طلب من زوجته حبلا، ثم أنزل ذلك الحبل الى ذلك الجندي، وابتداء الجميع معا في رفع ذلك الجندي من الحفرة.إبتدأ قلب ذلك الأب وزوجته يطرقان بسرعة، فها ملامح ذلك الجندي تتضح لديهم. نعم ها هو بعينه، لقد رأوه سابقا يسوق رفقائهم، مقتادا إياهم الى الموت. وها هم الآن ينقذون حياته.

ما أن صعد ذلك الجندي من الحفرة، حتى سأله قائلا… ما الذي جعلك تنقذ حياتي، واضعا نفسك وعائلتك في هذا الخطر العظيم؟ لقد تخلى عني رئيس الفرقة… مع أنني خدمته بأمانة كل هذه السنين الطويلة، ولم أعصى أوامره ولا لمرة واحدة. أما أنت، مع أني جئت لألقي القبض عليك لكي أقتلك، وها أنت تخاطر بحياتك وبحياة عائلتك لكي تنقذني؟

أجابه لم يكن الأمر بهذه السهولة، لكن يسوع  أوصانا بأن نحب الذين يسيئون إلينا، ولم نستطيع أن نراك تتألم من دون أن نساعدك، وهو يحبك أنت أيضا، ويريدك أيضا أن تفعل هكذا.

فسألهم الجندي… وهل يقبل المسيح توبتي لاكون من أتباعه…

أخوتي يذكرنا يسوع اليوم إن أردنا ان نكون أبناء الله وأغصان مثمرة في كرمه علينا أن نتخذ خطوات جديدة في تعاطينا مع معطيات الحياة ومشاكلها وصعوباتها وان نتمثل أكثر فاكثر فيه ,وان نغفر عن قوه وليس عن ضعف وان نتذكر أنه بدون الروح القدس ستكون كل مجهوداتنا عبثا! فقداستنا ليست أولا حصيلة لمجهودنا، بل هي ثمرة الانقياد للروح القدس بكل كياننا.

يقول القديس القديس أغسطينوس “عانق المحبة وادخل فيها, اقبلها تفاديا للخطأ، كفّ عن الخطيئة واقبل المحبة واحي حياة صالحة, ومتي دخلت في المحبة بدأ الخوف يخرج”، لانه في إندفاعنا نحو الإدانة والرد بالمِثل، فإنّنا نفقد نعمة الغُفران.

Facebook
WhatsApp
Email