Search

القديس ابراهيم أبي الآباء

Sacrifice_of_Isaac

القديس ابراهيم أبي الآباء

أبرام (ومعنى اللفظة الأب السامي)، والمدعو إبراهيم (أي أبو الأمم الكثيرة)، هو ابن تارح، وزوجته سارة. دعاه الله، ووعدَ أن يعطِيَه نسلاً كثيًرا، فخرجَ من وطنِه أُور في بلادِ الكلدانيّين، وجاءَ أرضَ كنعان، التي وعدَ اللهُ مرّاتٍ عديدةً أن يُعطِيَها له ولنسلِه:  وذلك في القرن 19 قبل الميلاد. لمّا أمرَه اللهُ بأن يضحِّيَ بابنِه إسحق، أطاعَ أمرَ اللهِ وسارَ لينفِّذَ ما طُلِبَ منه. ولما استَلَّ سيفَه ليذبَحَ ابنَه، أمسكَ ملاكُ الربِّ بيدِه، ثم جدَّدَ اللهُ له الوعود. عاشَ إبرهيم، بحسبِ ما وردَ في الكتاب، مئةً وسبعينَ سنة. ودفنَه ابناه إسحق وإسماعيل.


من مواعظ القديس أغسطينس الأسقف

(في كتابه في يوحنا الإنجيلي، 45: PL 35، 1712)

ابتهج ابراهيم راجيا أن يرى يومي

يَشهدُ شهادةً عظيمةً لإبراهيم نَسلُ إبراهيمَ وخالقُ إبراهيم. “ابتَهَجَ إبرَاهِيمُ رَاجِيًا أن يَرَى يَومِي” (يوحنا 8: 56). لأنّه كانَ ممتلئًا بالمحبّةِ التي تَنفِي الخوفَ. لم يقُلْ: “ابتهجَ لأنّه رأى”، بل: “رَاجِيًا أن يَرَى”.

          نعم، آمنَ فابتهجَ راجيًا أن يُدرِكَ فيفهمَ فيَرى. ورأى. ماذا كانَ يقدِرُ أن يقولَ أكثرَ من ذلك؟ أم ماذا كانَ يجبُ أن يقولَ يسوعُ المسيحُ أكثرَ من ذلك؟ قال: “وَرَآهُ فَفَرِح”. مَن يُفسِّرُ لنا هذا الفرحَ، يا إخوتي؟ إذا فَرِحَ هؤلاء الذين فتحَ يسوعُ لهم أعينَ الجسدِ، أيَّ فَرَحٍ يفرحُ مَن يَراه بعينِ القلبِ، مَن يرى النورَ الذي لا يُوصَف، الكلمةَ الأزليَّ، البهاءَ الذي يُضيءُ العقولَ التقيّةَ، الحكمةَ السرمديّةَ، المقيمَ لدى الآبِ، والذي سيأتي يومًا بحسبِ الجسدِ، من غيرِ أن ينفصلَ عن الآب؟

          كلُّ هذا رآهُ إبراهيم. وأمّا قولُه “يَومِي” فهو قولٌ غيرُ محدِّدٍ: أهو اليومُ الذي كانَ سيأتي فيه في الزمنِ بحسبِ الجسدِ؟ أم هو يومُ الربِّ الذي لا شروقَ له ولا غروبَ؟ أنا لا أشُكُّ في أنّ إبراهيمَ عرفَ كلَّ هذا. وما دليلُنا على ذلك؟ أوَما يجبُ أن تَكفِيَنا شهادةُ ربِّنا يسوعَ المسيح؟ لِنَفترِضْ أنَّنا لا نقدرُ أن نأتيَ بالدليلِ على ذلك، لأنَّه في الواقعِ أمرٌ صعبٌ جدًّا: كيف كانَ أنَّ إبراهيمَ “ابتَهَجَ رَاجِيًا أن يَرَى يومَ المسيح، ثم رآه ففَرِح”. لو وجَدْنا نحن الدليلَ، أيُمكِنُ من جهةٍ أخرى للحقِّ أن يَكذِب؟ فَلْنؤمِنْ بالحقيقةِ، ولا يكُنْ لدينا أدنى شكٍّ في استحقاقاتِ إبراهيم.

ولكنْ، اسمَعُوا هذه الفكرةَ التي تحضُرُني الآن. لمّا أرسلَ أبونا إبراهيم خادمَه ليطلبَ زوجةً لابنِه إسحق، استحلفَه أن ينفِّذَ ما يأمرُه به بأمانةٍ، وأن يَعرِفَ جيّدًا ما عليه أن يَعمَلَ. لأنّ الأمرَ ذو خطورةٍ: أي وجودُ زوجةٍ لابنِ إبراهيم. ولكي يعرفَ الخادمُ ما يريدُ إبراهيم، وأنَّه لا يرغبُ فقط في نسلٍ جسدِيّ، وأنّه لم تكُنْ له في نسلِه أيّةُ مطامعَ بشريّةٍ، قالَ لخادمِه الذي أرسلَه: “ضَعْ يَدَكَ تَحتَ فَخذِي، فَأَستَحلِفَكَ بِرَبِّ السماءِ” (تكوين 24: 2- 3). ماذا يريدُ ربُّ السماءِ من هذا القَسَم؟ انتبِهْ وافهَمْ العلامةَ والسِرّ. الفخذُ يَعني النسلَ. فماذا يَعني هذا القَسَمُ إلا أنَّ ربَّ السماءِ سيأتي بحسبِ الجسدِ من نسلِ إبراهيم؟ الحَمقَى قد يستخفُّون بإبراهيمَ الذي قال: “ضَعْ يَدَكَ تَحتَ فَخذِي”. ولكن، مَن يستخِفُّ بالجسدِ الذي اتّخذَه المسيحُ يستخِفُّ بما صنعَ إبراهيم. أمّا نحن، أيّها الإخوةُ، فإنّنا نعلَمُ أنَّ جسدَ المسيحِ كريمٌ، ولا نستخفُّ بنسلِ إبراهيم، ولهذا نَرَى في ما قالَه نبُؤَةٌ. لأنَّ إبراهيمَ كانَ نبِيًّا. نبِيًّا لمَن؟ نبيًّا لنسلِه ولربِّه. فقد أشارَ إلى نسلِه بقولِه: “ضَعْ يَدَكَ تَحتَ فَخذِي”. وأشارَ إلى ربِّهِ بقولِه: “أستَحلِفُكَ بِرَبِّ السَّمَاءِ”.

Facebook
WhatsApp
Email