Search

الفرح ومسيرة حياتنا الاكليريكية

التعريف:
تعريف الفرح في اللغة العربية هو لذّة في القلب لنيل المشتهى، والكلمة ترادف السرور والحبور والجَذَل والغِبطة والبهج والارتياح والاستبشار والاغتباط، ويقاربها الفرج.
يوجد للفرح مفاهيم عدة منها: فرح زمني مؤقت (علامة امتحان…الخ وفرح أبدي مستمر وثابت، وفرح خارجي سطحي وآخر داخلي عميق! وفرح خاطئ وعكسه حقيقي.
سأضعُ بين أيديكم بعضٌ من النصوص الكتابية عن الفرح، فهي قادرة أن تساعدنا على التأمل أكثر في حياتنا وعيش الفرح بطريقة كتابية كما أرادها الرب منذ البدء.

  1. المزامير:
    • “حينئذٍ امتلأت أفواهنا ضحكًا وألسنتنا ترنيما” (2:126)
    • “فيلذُّ له نشيدي وأنا أفرحُ بالرب” (34:104)
    • “لتفرح السموات! ولتبتهج الأرض أمام الرّب، لأنه أتٍ” (11:96-13)
  2. سفر النبي أشعيا
    • الشعب السالك في الظلمة أبصرَ نورًا عظيمًا…. كثّرت الأمّة، عظّمتَ لها الفرح. يفرحون أمامك… (2:9-6)
    • “والذين فداهم الرّبّ يرجعون ويأتون إلى صهيون بهتاف ويكون على رؤوسهم فرح أبدي ويرافقهم السرور والفرح وتنهزم عنهم الحسرة والتأوه” (10:35)
  3. عرس قانا الجليل (يوحنا 1:2-12) وفيه عاش يسوع مع مريم أمه ومع اهل العرس فرحًا زمنيًا ولكنه دائم وثابت في حياة المحبة، فلذلك هيّا بنا لنحول حياتنا إلى عرسٍ أبدي: مستعدين إلى دخول ردهة العرس، وحاضرين لعيش الفرح والاتحاد بالحبّ تماما كما يسعى الحبيب إلى حبيبته.
  4. الشاب الغني (لوقا 16:19-22) وقد كان يعيش فرحًا مزيفًا سطحيًا وعندما طلب منه الرب أن يدخل إلى العمق ويتخلى عن بعض أمواله ذهب حزينًا. وهذا مثل عكسي يساعدنا إلى نكون جذريين في اختيارنا وعميقين في حياتنا.
  5. التطويبات (متى ٥: ١١-١٢) هي من أروع ما تم كتابته عن الفرح فالكلمة الأولى لكل تطويبة هي “طوبى” أي هنيئًا لك، افرح، اطرب… كلها من مرادفات الفرح، فإن دلّت على شيء فهي تدل على تعليم يسوع التي تحمل في طياتها الفرح حتى في وقت الشِّدّة والاضطهاد يحثنا يسوع: “افرحوا وابتهجوا لأن أجركم في السموات عظيم…” (متى12:5)

الفرح هو وجه الله في الإنسان
ينُبع الفرح المسيحي من هذه القناعة: الله قريب، هو معي، هو معنا، في الفرح وفي الألم، في الصحة وفي المرض، كصديق أمين. ومن هنا، يدعونا بولس الرسول في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي إلى الفرح لأن مجيء الرب قريب، أي رجوعه المجيد، الذي هو واقع أكيد ولن يتأخر “لا أريدكم أن تحزنوا كسائر الناس الذين لا رجاء لهم” (13:4). وسر بيت لحم يُكشف لنا من خلال الـ “عمانوئيل” (الله معنا)، الإله القريب، ليس فقط بالمعنى الجغرافي أو الزمني؛ هو قريب لأنه – يمكننا القول – “أخذَ” ببشريتنا؛ إذ أنه قد أخذ على نفسه حالتنا، مختارًا أن يكون شبيهًا بنا في كل شيء، ما عدا الخطيئة (عبر15:4) وذلك لكي يجعلنا على مثاله.”
وبالتالي، إن فرح المسيحي الذي ينبع من الثقة بقرب الله منه، يثبُت حتى في وقت التجربة، وفي الألم نفسه، ويدوم لا بشكل سطحي، بل بعمق الإنسان الذي يتوكل على الله ويثق به، لأن الله قد صار قريبًا منا كما قلنا سابقًا: في الفرح وفي الألم، في الصحة وفي المرض، كصديق وكختنٍ أمين.

الفرح نار تلتهب:
يقدّم لنا سفر أعمال الرسل مثال شاول “بولس” وهو على طريق دمشق كمثال للفرح، فقد أدرك شاول بعد ظهور الرب له ووقُعه عن حصانه أن لا فرح يُضاهي معرفة الرب ومقابلته والتبشير به، فكلّ حياته لن يكون لها معنى آخر إلا اعلان البشرى السارة للجميع.
كلّ رحلات مار بولس في حوض البحر الأبيض المتوسط وتأسيسه لأي جماعة كنسية، كان بناؤها الأساس هو الفرح. فلا شيء كان ليوقف بولس عن شغفه باعلان يسوع ربّ؛ فلا سجنٌ ولا اخطارٌ ولا عذابٌ ولا موت (رومة35:8-39) فطاقة بولس الفاعلة التي أحيته من خلال يسوع المسيح نشرها ووضعها في قلب كل جماعة أنشأها، فقد كان فرح الربّ حاضرٌ في وسط كل جماعة كنسية أسّسها، ويتردد صدى هذه الكلمات عن الفرح من قلب بولس إلى أهل فليبي وإلينا اليوم “افرحوا دائما في الرب، وأكرر القول افرحوا…” (فليبي4:4-7)

مريم ومثالنا في الفرح والنمو الروحي:
سأستعرض معكم ثلاثة نصوص إنجيلية من حياة مريم وفيها سنكتشف معنا الفرح والنمو الروحي:
نشيد أليصابات لمريم: (لوقا 41:1-45) | نشيد تعظم نفسي الرب (لوقا 46:1-56) | مريم تحت الصليب (يوحنا25:19-27)
إنّ كلمة “نَعَمَ” التي نسمعها ونتأملها في بشارة الملاك لمريم هي المركزية التي صنعت كلّ الأحداث اللاحقة لحياة مريم ويوسف مع يسوع في حياته العائلية والخفية والعلانية.
الابتهاج هو أحد علامات الفرح والسعادة التي غمرت أليصابات عندما التقت بمريم وهي حامل بيسوع، وسيكون هذا الفرح حليف كلّ شخص سيلتقي بيسوع أو بأمه “حامل الرب” وهي دعوة لنا لكي نحمل الرب وننشر فرحه لكل شخص نلتقي به.
جواب مريم على نشيد أليصابات كان في نشيد تعظّم نفسي الرب، إذ قد أعادت مريم الابتهاج الذي تمّ في حياة الاخرين إلى الله المخلص الذي منه وبه وإليه كلّ الفرح.
لقد رافقت مريم يسوع في مسيرة حياته الخفية والعلانية، إذ كانت معه في كلِّ مرحلةٍ من مراحلِ نموهِ الروحي والعقلي والفكري، فقد كانت أثناء تعليم يسوع للجموع من على شاطئ البحيرة، وكانت في عرس قانا الجليل، وكانت دائمة الاصغاء والفرح لهُ. وهناك عند أقدام الصليب اختلط الحزن بالفرح وكلهما اختلطا بالأمل.
فكان الصليب ألمُ الأم وفرحها وتاجُ مجدِها!

نحن اليوم “كنيسة وشباب مرسلون لعيش الفرح”
من خلال الرجوع إلى المجمع الفاتيكاني الثاني وإلى عنوان الدستور الرعوي “الكنيسة في عالم اليوم |
Gaudium et Spes” نستطيع أن نأخذه دليلاً لنا لعيش الفرح والرجاء بروح انجيلية ومسيحية شاملة. فميّزة أني إنسان مسيحي وأسير على خط التنشئة الكهنوتية هي أن أعيش الفرح من خلال كلمة الرب التي ترافقني ومع الأفخارستيا التي تُحيني، وأعكس ذلك من خلال عيشي للرجاء “لأننا بالرجاء مخلصون” (روم24:8) وفيه “لنكن دائمًا مستعدين لأن نردّ على من يطلب منا دليل ما نحن عليه من الرجاء” (1بط15:3) وهكذا نعيش الفرح في الرجاء ونرفع الرجاء رايةً لنا من خلال فرحنا.

أبونا بشار فواضله

Facebook
WhatsApp
Email