Search

التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة

الفقرة 6- الإنسان

315- ” خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم “( تك 27:1). فللإنسان محل فريد في الخليقة: إنه “على صورة الله” (1)؛ في طبيعته الخاصة يجمع ما بين العالم الروحاني والعالم المادي(2)؛ خلق “ذكراً وأنثى”(3) ؛اختصه الله بصداقته (4) .

1. ” على صورة الله ”
316- بين جميع الخلائق المرئية، الإنسان وحده يستطيع أن يعرف خالقه ويحبه ” . إنه “على الأرض الخليقة الوحيدة التي أرادها الله لذاتها” . إنه وحده المدعو إلى المشاركة في حياة الله بالمعرفة والمحبة. لقد خلق لهذه الغاية، وهذا هو سبب كرامته الرئيسي:

” ما الداعي الذي جعلك تكون الإنسان على مثل هذه العظمة؟ المحبة العظمى التي نظرت بها إلى خليقتك في ذات نفسك، وقد شغفت بها؛ إذ إنك خلقتها بمحبة، وبمحبة أعطيتها كياناً قادراً أن يتذوق خيرك الأزلي” .

317- بما أن الفرد البشري على صورة الله فمقامه مقام شخص: فهو ليس شيئاً ما وحسب، بل هو شخص ما. إنه قادر على أن يعرف نفسه، وأن يضبطها، وأن يبذل ذاته باختياره، وأن يدخل في شركة غيره من الأشخاص؛ وهو مدعو، بالنعمة، إلى معاهدة مع خالقه، وإلى تلبيته تلبية إيمان ومحبة لا يستطيع أحد غيره أن يقوم مقامه فيها.

318- الله خلق كل شيء للإنسان ، ولكن الإنسان خلق لخدمة الله ومحبته، ولكي يقدم له ” فمن هو الكائن الذي سيأتي إلى الوجود في مثل هذه الهالة من التقدير؟ إنه الإنسان، الوجه الحي العظيم والعجيب، الأكرم في عيني الله من الخليقة كلها جمعاء: إنه الإنسان، ولأجله وجدت السماء والأرض والبحر وسائر الخليقة، وخلاصه هو الذي علق عليه الله مثل هذه الأهمية حتى إنه لم يوفر ابنه الوحيد نفسه في سبيله. وعن الله ما انفك يسعى السعي كله لكي يرقى بالإنسان إليه ويجلسه إلى يمينه” .

319- “إن سر الانسان لا يفسره تفسيراً حقيقياً إلا سر الكلمة المتجسد” .
” القديس بولس يعلمنا أن رجلين اثنين هما في أساس الجنس البشري “آدم والمسيح … وهو يقول: إن آدم الأول خلقه الآخر ومنه نال النفس التي تحييه … آدم الثاني جعل صورته في آدم الأول عندما كان يجلبه. من هنا ألقيت عليه مهمته واسمه وذلك لكي لا يعرض من صنعه على صورته للضياع. آدم الأول، آدم الأخير: الأول ابتدأ ، والأخير لن ينتهي؛ إذ إن الأخير هو الأول في الحقيقة، على حد ما قال هو نفسه:” أنا الأول والأخير” .

320- إذ كان الجنس البشري من أصل مشترك فهو يؤلف وحدة؛ ذلك أن الله ” صنع من واحدٍ كل أمة من البشر “( أع 26:17) :

” إنها لرؤيا عجيبة تلك التي تجعلنا نتأمل الجنس البشري في وحدة أصله في الله؛ في وحدة طبيعته، المركبة عند الجميع تركيباً واحداً من جسم مادي ونفس روحانية؛ في وحدة غايته الفورية ورسالته في العالم؛ في وحده مسكنه: الأرض التي يستطيع جميع البشر، بحق طبيعي، أن يستعملوا خيراتها لكي يحافظوا على الحياة وينموها؛ في وحدة غايته العليا: الله نفسه الذي يجب على الجميع أن يتوجهوا إليه؛ في وحدة الوسائل لبلوغ هذه الغاية؛ (…) ؛ في وحدة الافتداء الذي قام به المسيح لأجل الجميع ” .

321- ” نظام التضامن البشري والمحبة هذا ” ، فضلاً عن وفرة تنوع الأشخاص، والثقافات والشعوب، يؤكد لنا أن جميع البشر إخوة في الحقيقة.

2. “واحدٌ من جسدٍ ونفسٍ”.

322- الشخص البشري، المخلوق على صورة الله، كائن جسدي وروحاني معا. والرواية الكتابية تعبر عن هذه الحقيقة بكلام رمزي عندما تثبت أن “الله جبل الإنسان تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار الإنسان نفساً حية”( تك 7:2 ). فالإنسان بكامله كان في إرادة الله.

323- كثيراً ما ترد اللفظة نفس في الكتاب المقدس بمعنى الحياة البشرية ، أو كامل الشخص البشري . ولكنها تدل أيضاً على أعمق ما في الإنسان وأثمن ما فيه ، أي ما يجعله على وجه أخص صورة لله: “نفس” تعني مبدأ الإنسان الروحاني .

324- يشترك جسد الإنسان في كرامة”صورة الله”: إنه جسد بشري لأن النفس الروحانية تبث فيه الحياة، والشخص البشري بكامله معد لأن يصبح، في جسد المسيح، هيكل الروح :
” الإنسان واحد بجسده ونفسه، وهو بوضعه الجسدي نفسه يجمع في ذاته عناصر العالم المادي، بحيث تبلغ فيه قمتها، وترفع بحرية إلى الخالق صوت حمدها. فلا يجوز للإنسان إذن أن يحتقر الحياة الجسدية، بل عليه أن يعامل جسده بالإحسان والإكرام لأنه خليقة الله ومعد للقيامة في اليوم الأخير” .

325- وحدة النفس والجسد هي من العمق بحيث يجب أن تعد النفس “صورة” الجسد ؛ أي أن الجسد المركب من مادة يصبح بالنفس الروحانية، جسداً إنسانياً وحياً ؛ الروح والمادة، في الإنسان، ليسا طبيعتين اثنتين متحدتين، ولكن اتحادهما يكون طبيعة واحدة .

326- الكنيسة تعلم أن كل نفس روحانية يخلقها الله مباشرةً ؛ – إنها ليست من ” صنع “الوالدين-؛ وهي تعلمنا أيضاً أنها غير مائتة ؛ إنها لا تتلاشى عندما تفارق الجسد بالموت، وهي تعود إلى الاتحاد بالجسد في القيامة الأخيرة.

327- يحصل أحياناً أن تميز النفس من الروح. وهكذا فالقديس بولس يصلي. قائلا:” وليحفظ كل ما فيكم ارواحكم، ونفوسكم، واجسادكم، بغير لوم عند مجيء ربنا”(1 تس 23:5). والكنيسة تعلم ان هذا التمييز لا يدخل في النفس ازدواجية .” الروح يعني ان الانسان موجه منذ خلقه الى غايته الفائقة الطبيعة ، وان نفسه قادرة على ان ترقى مجانا الى الشركة مع الله .

328- تقليد الكنيسة الروحي يشدد على القلب بالمعنى الكتابي ل ” عمق الكيان” (ار 33:31) حيث يقرر الشخص انه لله او لا .

3. “ذكرا وانثى خلقهم”

مساواة واختلاف ارادهما الله

369- الرجل والمرأة خلقا أي ان الله ارادهما: في مساواة كاملة، لكونهما شخصين بشريين من جهة، ومن جهة اخرى بكيانهما الخاص رجلا وامرأة. ان يكون ” رجلا” وان تكون “امرأة” تلك حقيقة حسنة وقد ارادها الله: للرجل والمرأة كرامة ثابتة تأتيهما مباشرة من الله خالقهما . الرجل والمرأة هما، في الكرامة الواحدة،على صورة الله. وهما يعكسان حكمة الخالق وجودته في “كيان الرجولة” وفي ” كيان الانوثة”.

370- ليس الله على صورة الانسان البتة. فهو ليس رجلا ولا امرأة. الله روح محض ليس فيه مكان لاختلاف الجنسين. ولكن “كمالات” الرجل والمرأة تعكس شيئا من كمال الله غير المتناهي: كمالات الام ، وكمالات الاب والزوج .

“الواحد للاخر”- “وحدة اثنين”

371- الرجل والمرأة خلقا معا، وقد ارادهما الله الواحد للاخر. وكلام الله يسمعنا ذلك بتلميحات مختلفة في النص المقدس.”لا يحسن ان يكون الانسان وحده فاصنع له عونا بازائه”( تك 18:2). ما من حيوان يمكن ان يكون هذا ال ” بازاء” الانسان .
المرأة التي “بناها” الله من الضلع التي اخذها من الرجل، والتي بها الرجل، تبعث من الرجل صراخ اعجاب، صراخ محبة وشركة: “هو ذا هذه المرة عظم من عظامي ولحم من لحمي”( تك 23:2). الرجل يكتشف في المرأة “انا” اخر، من البشرية نفسها.

372- الرجل والمرأة صنعا ” الواحد للاخر”: لا ان الله صنعهما ” نصفين” و ” غير كاملين”؛ انه خلقهما لشركة شخصين يستطيع فيها كل واحد ان يكون ” عونا” للاخر، لانهما في الوقت نفسه متساويان لكونهما شخصين (“عظم من عظامي”) ومتكاملين لكونهما ذكرا وانثى . وفي الزواج يجمعهما الله بحيث، وهما “جسد واحد”(تك 24:2)، يستطيعان ان يعطيا الحياة البشرية: “انموا واكثروا واملأوا الارض” تك (28:1). والرجل والمرأة، زوجين ووالدين، عندما يعطيان نسلهما الحياة البشرية يسهمان اسهاما فريدا في عمل الخالق .

373- الرجل والمرأة مدعوان، في تصميم الله، “لاخضاع” الارض على انهما “وكلاء” الله. وهذه السيطرة يجب ان لا تكون تسلطا تعسفيا وهداما. فالرجل والمرأة مدعوان،على صورة الخالق الذي ” يحب جميع الكائنات” (حك 25:11)، الى الاشتراك في ” العناية الالهية” تجاه جميع المخلوقات.من هنا مسؤوليتهما عن العالم الذي عهد الله فيه اليهما.

4. الانسان في الفردوس

374- الانسان الاول لم يخلق صالحا وحسب، ولكنه اقيم في صداقة مع خالقه، وفي تناغم مع ذاته ومع الخليقة التي حوله والتي لا يفوقها الا مجد الخليقة الجديدة في المسيح.

375- الكنيسة، عندما تفسر رمزي الكلام الكتابي على نور العهد الجديد والتقليد تفسيرا اصيلا، تعلم ان ابوينا الاولين، ادم وحواء، اقيما في حالة ” قداسة وبر اصلي” . ونعمة القداسة الاصلية هذه كانت اشتراكا في الحياة الالهية .

376- باشعاع هذه النعمة تقوت جميع ابعاد الحياة البشرية. فما دام الانسان في صداقة مع الله كان في منجى من الموت ومن الالم . فالتناغم في داخل الشخص البشري، والتناغم بين الرجل والمرأة ، واخيرا التناغم بين الزوجين الاولين وجميع الخليقة، كانت تؤلف الحالة المدعوة “برارة اصلية”.

377- ” اخضاع ” العالم الذي القى به الله الى الانسان منذ البدء كان يتحقق قبل كل شيء في الانسان نفسه بالانضباط الذاتي. كان الانسان في كامل ذاته كاملا ومنظما، اذ كان محررا من الشهوات الثلاث التي كانت تخضعه لمتع الحواس، للتجشع في الخيرات الارضية، واثبات الذات في وجه اوامر العقل.

378- وكانت علامة الفته مع الله ان جعله الله في الجنة . فعاش فيها ” يحرث الارض ويحرسها”(تك 15:2): ليس العمل مشقة ، ولكنه اسهام الرجل والمرأة مع الله في اكمال الخليقة المرئية.

379-هذا التناغم كله في البرارة الاصلية، الذي هيى للانسان في تصميم الله، سيفقد بخطيئة ابوينا الاولين.

بايجاز

380-“ولقد صنعت الانسان على صورتك، يا الله، وجعلت الكون بين يديه، حتى اذا خدمك، انت خالقة، كان سيد الخليقة” .
381- الانسان مهيا لان ينقل صورة ابن الله المتانس-“صورة الله غير المنظور”(كو 1: 15)- حتى يكون المسيح بكرا ما بين جم غفير من اخوة واخوات .

382-الانسان “واحد من جسد ونفس” .عقيدة الايمان تثبت ان النفس الروحانية والغير الماثتة يخلقها الله مباشرة.

383-“الله لم يخلق الانسان وحيدا: منذ البدء “ذكرا وانثى خلقهم”(تك 1: 27)، وهذا الجمع بين الرجل والمراة هو الصورة الاولى لتشارك الاشخاص”

384- الوحي يطلعنا على حالة القداسة والبرارة الاصليين عند الرجل والمراة قبل الخطيئة: كانت صداقتهما مع الله في اصل سعادة وجودهما في الفردوس.

الفقرة 7- السقوط

385-الله غير متناهي الجودة وجميع اعماله حسنة. ولكن لا احد ينجو من تجربة الالم، من تجربة شرور الطبيعة- التي تبدو شبه مرتبطة بحدود الخلائق الخاصة- ولا سيما من مسالة الشر الادبي. من اين ياتي الشر”؟يقول القديس اوغسطينوس: “لقد فتشت من اين ياتي الشر ولم اجد حلا” ، ولن يجد بحثه الخاص الاليم مخرجا الا في اهتدائه الى الله الحي. فان “سر الاثم”(2 تس 2: 7) لن يتضح الا على نور سر التقوى . ان كشف المحبة الالهية في المسيح اظهر مدى الشر وفيض النعمة معا . يجب ان نعرض اذن لمسالة مصدر الشر ونظر ايماننا مثبت على من هو، وحده، غالب الشر .

1. حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة
حقيقة الخطيئة

386- الخطيئة موجودة في تاريخ الانسان: قد تكون من العبث محاولة تجاهلها، او القاء اسماء اخرى على هذه الحقيقية الغامضة. ولكي نحاول فهم ما هي الخطيئة، يجب اولا معرفة صلة الانسان العميقة بالله، اذ انه خارج هذه العلاقة لا يكشف عن شر الخطيئة في حقيقية كونه رفضا ومقاومة في وجه الله، مع بقائه عبثا ثقيلا على حياة الانسان وعلى التاريخ.

387- حقيقية الخطيئة، ولا سيما خطيئة الاصول، لا تتضع الا على نور الوحي الالهي. فبدون المعرفة التي يعطيناها عن الله لا تمكن معرفة الخطيئة معرفة واضحة، فنكون معرضين لتفسيرها على انها نقص في النمو فقط، ضعف نفسي، ضلال، نتيجة حتمية لبنية اجتماعية غير ملائمة الخ. ففي معرفة قصد الله بالنسبة الى الانسان فقط تفهم الخطيئة على انها سوء استعمال للحرية التي يمنحها الله للاشخاص المخلوقين، لكي يتمكنوا من محبة ومن محبة بعضهم البعض.

الخطيئة الاصلية –حقيقية جوهرية من حقائق الايمان

388- بنمو الوحي اتضحت ايضا حقيقية الخطيئة. وان عرض شعب الله في العهد القديم لالام الوضع البشري على نور تاريخ السقوط الوارد في سفر التكوين، فانه لم يكن باستطاعته الوصول الى المعنى البعيد لهذا التاريخ، الذي ينجلي فقط على نور موت يسوع المسيح وقيامته . يجب معرفة المسيح ينبوعا للنعمة لمعرفة ادم ينبوعا للخطيئة. الروح –البارقليط الذي ارسله المسيح المنبعث، هو الذي جاء لكي “يفحم العالم بشان الخطيئة”(يو 16: 8)، اذ كشف عن الذي افتدى من الخطيئة.

389-عقيدة الخطيئة الاصلية هي على نحو ما “الوجه المناقض” للبشري الصالحة بان يسوع هو مخلص جميع البشر، وبان الجميع بحاجة الى الخلاص ،وبان الخلاص مقدم للجميع بفضل المسيح. والكنيسة التي عندها فكر المسيح تعلم جيدا انه لا يمكن المساس بوحي الخطيئة الاصلية بدون الاساءة الى سر المسيح.

لقراءة قصة السقوط

390-قصص السقوط (تك 3) يعتمد اسلوبا خياليا، ولكنه يؤكد حدثا ذا اهمية كبيرة حدثا جرى في البدء تاريخ الانسان . والوحي يعطينا اليقين الايماني، بان تاريخ البشر كله موسوم بالخطيئة الاصلية التي اقترفها ابوانا الاولان باختيارهما

2.سقوط الملائكة

391- وراء اختيار ابوينا الاولين المعصية صوت مغر معارض الله يحملهما ،حسدا، على السقوط في الموت . الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة يريان في هذا الكائن ملاكا ساقطا يدعى شيطانا او ابليس . الكنيسة تعلم انه كان اولا ملاكا صالحا من صنع الله”الشيطان وسائر الابالسة خلقهم الله صالحين في طبيعتهم ،ولكنهم هم بانفسهم انقلبوا اشرارا” .

392-الكتاب المقدس يذكر لهؤلاء الملائكة خطيئة . وهذا “السقوط”يقوم باختيار حر لهؤلاء الارواح المخلوقة، الذين رفضوا رفضا باتا وثابتا الله وملكوته. واننا نجد اشارة الى هذا العصيان في اقوال المجرب لا بوينا الاولين :”تصيران كالهة”(تك 3: 5). الشيطان “خاطىء من البدء”(1يو 3: 8)،”ابو الكتاب “(يو 8: 44).

393-ان ميزة الاختيار الثابت للملائكة، لا تقصير من الرحمة الالهية غير المتناهية، هي التي جعلت خطيئتهم غير قابلة الغفران. “لا ندامة لهم بعد السقوط ،كما انه لا ندامة للبشر بعد الموت” .

394-الكتاب المقدس يثبت الاثر المشؤوم للذي يدعوه يسوع “من البدء قتال الناس”(يو 8: 44)، والذي حاول ان يحول يسوع نفسه عن الرسالة التي تقبلها من الاب . “ولهذا ظهر ابن الله:لينتقض اعمال ابليس”(1يو 3: 8). وافطع نتائج اعماله كان الاغراء الكاذب الذي جر الانسان الى عصيان الله.

395 -ولكن مقدرة ابليس ليست غير متناهية. انه مجرد خليقة، قديرة لكونها روحا محضا، ولكنه لا يخرج عن كونه خليقة: لا يستطيع ان يمنع بناء ملكوت الله. وان عمل ابليس في العالم بعامل الحقد على الله وملكوته في يسوع المسيح، وان كان لعمله اضرار جسيمة –على المستوى الروحي واحيانا، وبطريقة غير مباشرة، على المستوى الطبيعي نفسه – لكل انسان وللمجتمع، فهذا العمل تسمح به العناية الالهية التي توجه تاريخ الانسان والعالم بقوة ولين. والسماح الالهي بهذا العمل الشيطاني سر عظيم، ولكننا “نعلم ان الله في كل شيء يسعى الخير الذين يحبونه”(رو 8: 28).

3.الخطيئة الاصلية
تجربة الحرية

396-الله خليقة الانسان على صورته واقامه في صداقته. واذ كان الانسان خليقة روحانية، فهو لا يستطيع ان يعيش في هذه الصداقة الا عن طريق الخضوع الحر الله. وهذا ما يعبر عنه منع الانسان من ان ياكل من شجرة معرفة الخير والشر ،”فانك يوم تاكل منهما تموت موتا”(تك 2: 17). “شجرة معرفة الخير والشر “(تك 2: 17) توحي رمزيا بالحد الذي لا يمكن تجاوزه والذي يجب على الانسان، في كونه مخلوقا، ان يعترف به اختياريا وان يقف عنده بثقة. الانسان متعلق بالخالق ،وهو خاضع لنواميس الخليقة، وللنظم الاخلاقية التي تنظم استعمال الحرية.

خطيئة الانسان الاولى

397-الانسان، عندما جربه الشيطان، قضى في قلبه على الثقة بخالفه . وعندما اساء استعمال حربته، عصى وصية الله. في هذا قامت خطيئة الانسان الاولى . وكل خطيئة، في ما بعد، ستكون عصيانا الله، وعدم ثقة في صلاحه.

398- في وهذه الخطيئة فضل الانسان نفسه على الله، وبذالك عينه حقر الله: اختار ذاته على الله،على مقتضيات كونه خليقة، ومن ثم على صالحه الخاص. واذ كان الانسان مخلوقا في حالة قداسة، فقد كان معدا لان “يؤلهه”الله تاليها كاملا في المجد .وباغراء من ابليس اراد ان “يكون مثل الله” ، ولكن “بدون الله، وليس بحسب الله” .

399-الكتاب المقدس يبين عواقب هذه المعصية الاولى الماسوية. فقد ادم وحواء حالا حالة البرارة الاصلية . لقد خافا من هذا الاله الذي تصوراه على غير صورته ،على صورة اله غيور على امتيازاته .

400-التناسق الذي كانا عليه، والذي اولتهما اياه حالة البرارة الاصلية، قد تهدم ،وسيطرة قوى النفس الروحانية على الجسد تحطمت ، اتحاد الرجل والمراة اصبح تحت تاثير المشادات ، وعلاقاتهما ستكون موسومة بسمة الشهوة والسيطرة . التناسق مع الخليقة نقض: الخليقة المنظورة اصبحت بالنسبة الى الانسان غريبة ومعادية ، ويسبب الانسان اخضعت الخليقة لعبودية الفساد . واخيرا فان العاقبة التي انبىء بها بصراحة لمعصية الانسان ستتحقق:”سيعود الانسان الى الارض التي منها اخذ” . وهكذا دخل الموت في تاريخ البشرية .

401- منذ هذه الخطيئة الاولى،غمر العالم”اجتياح”للخطيئة حقيقي: قتل قاين اخاه هابيل ، الفساد الشامل في عقب الخطيئة ، كذالك في تاريخ اسرائيل، فكثيرا ما تبرز الخطيئة كعصيان خاص لاله العهد، وكمخالة لشريعة موسى، وبعد فداء المسيح ايضا، تبرز الخطيئة بين المسيحيين على وجوه متعددة . والكتاب المقدس وتقليد الكنيسة لا يزالان يذكران بوجود الخطيئة وشمولها في تاريخ الانسان:
“ما يكشفه لنا الوحي الالهي يتفق ومعطيات خبرتنا.فان تفحص الانسان قلبه وجد انه ميال الى الشر ايضا، وانه غارق في غمر من الشرور لا يمكن ان تصدر عن خالقه الصالح. فكثيرا ما يرفض الانسان ان يرى في الله مبداه، فينقض النظام الذي يتواجه به الى غايته القصوى، وينقض في الوقت نفسه كل تناغم في ذاته او بالنسبة الى سائر البشر والى الخليقة كلها” .

عواقب خطيئة ادم في البشرية

402- جميع البشر متورطون في خطيئة ادم. القديس بولس يثبت ذلك: “جعل الكثيرون (أي جميع البشر)خطاة بمعصية انسان واحد”(رو 5: 19): “كما انها بانسان واحد دخلت الخطيئة الى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس لان جميعهم قد خطئوا…”(رو 5: 12). وقد قابل الرسول شمولية الخطيئة والموت بشمولية الخلاص بالمسيح: “كما انه بزله واحد كان القضاء على جميع الناس، كذلك ببر واحد (بر المسيح) يكون لجميع تبرير الحياة” (رو 5: 18).

403- لقد اتبعت الكنيسة القديس بولس، فعلمت دائما ان الشقاء العارم الذي يبهظ البشر، وميلهم الى الشر والى الموت لا يفهمان بمعزل عن علاقتهم بخطيئة ادم، وبواقع انه اورثنا خطيئة نولد حاملين وزرها وهي “موت النفس” . وانطلاقا من هذا اليقين العقائدي تمنح الكنيسة المعمودية لمغفرة الخطايا، حتى للاطفال الصغار الذين لم يرتبكوا خطيئة شخصية .

404- كيف اصبحت خطيئة ادم خطيئة ذريته كلها؟ الجنس البشري كله في ادم “كانه الجسد الواحد لانسان واحد” . وبسبب “وحدة الجنس البشري هذه”جميع البشر داخلون في خطيئة ادم، كما انهم داخلون جميعا في تبرير المسيح. ومع ذلك فان انتقال الخطيئة الاصلية سر لا نستطيع ادراكه ادراكا تاما. الا اننا نعلم عن طريق الوحي ان ادم نال القداسة والبرارة الاصليتين، لا له وحده، بل للطبيعة البشرية كلها :وبانقياد ادم وحواء للمجرب، ارتكبا خطيئة شخصية، ولكن هذه الخطيئة انتقل اثرها الى الطبيعة البشرية التي سينقلانها وهما في حالة سقوط . انها خطيئة ستنتقل الى جميع البشر عن طريق التفشي، أي بنقل طبيعة بشرية مجردة من القداسة والبرارة الاصليتين. ولهذا فالخطيئة الاصلية مدعوة”خطيئة”على سبيل المشابهة: انها خطيئة “موروثة” لا “مرتكبة”، حالة لا فعل.

405-وان كان كل انسان مخصوصا بالخطيئة الاصلية ، فانها ليست ذات طابع شخصي عند أي من ابناء ادم. انها حرمان من القداسة والبرارة الاصليتين، ولكن الطبيعة البشرية ليست منفسدة انفسادا كاملا: لقد جرحت في قواها الطبيعة الخاصة، واخضعت للجهل والالم وسلطان الموت، ومالت الى الخطيئة (وهذا الميل الى الشر يسمى”شهوة”). والمعمودية يمنحها حياة نعمة المسيح، تمحو الخطيئة، تمحو الخطيئة الاصلية وترد الانسان الى الله، ولكن العواقب في الطبيعة المضعفة والميالة الى الشر، تبقى في الانسان وتدعوه الى الجهاد الروحي.

406-ان عقيدة الكنيسة في موضوع انتقال الخطيئة الاصلية اكتسبت دقة خصوصا في القرن الخامس، ولا سيما مع القديس اوغسطينوس في دفق تاملاته ضد البلاجية،وفي القرن السادس عشر في مناهضة البروتستانية .كان بلاجيوس يعتقد ان الانسان يستطيع، بقوة ارادته الطبيعة الحرة، بدون معونة نعمة الله الضرورية ان يسلك سلوكا صالحا ادبيا، كان بذالك يحول تاثير خطيئة ادم الى تاثبر مثال سيء .ويعكس ذلك كان دعاة الاصلاح البروتستاني الاولون يعلمون ان الانسان قد اصبح في عمقه فاسدا وان حريته اصبحت، بخطيئة الاولين، معطلة. كانوا يوحدون ما بين الخطيئة التي ورثها كل انسان والميل الى الشر(الشهوة) الذي لا يمكن التغلب عليه .وقد اثبتت الكنيسة موقفها في معنى الوحي المتعلق بالخطيئة الاصلية في مجمع اورانج الثاني سنة 529 ، وفي المجمع التريدنتيني، سنة 1546 .

صراع عنيف

407- عقيدة الخطيئة الاصلية – مقرونة بعقيدة فداء المسيح- تخول نظرة تمييز واضح في شان موقع الانسان وعمله في العالم. بخطيئة الابوين الاولين اكتسب الشيطان شبة سيطرة على الانسان، وان لبث هذا حرا. الخطيئة الاصلية تجر “العبودية تحت السلطان ذاك الذي كان بيده سلطان الموت، اعني ابليس” تجاهل كون الانسان ذا طبيعة مجروحة، ميالة الى الشر، يفسح المجال لاضاليل جسيمة في موضوع التربية، والسياسة، والعمل الاجتماعي ، والاخلاق.

408-عواقب الخطيئة الاصلية، وجميع خطايا البشر الشخصية، تصم العالم، في مجمله، بوصمة الخطيئة، التي يمكن ان يطلق عليها تعبير القديس يوحنا “خطيئة العالم” (يو 1: 29). بهذا التعبير يشار ايضا الى التاثير السلبي الذي تلحقه بالاشخاص الاحوال المجتمعية، والبنى الاجتماعية، التي هي ثمرة اثام البشر .

409-الحالة الماسوية هذه التي يقيم فيها العالم “كله تحت سلطان الشرير”(1 يو 5: 19 تجعل حياة الانسان صراعا:”يتخلل تاريخ البشر العام صراع عنيف تقاوم به قوى الظلمة، وقد بدا مع وجود العالم وسيبقى، على حد قول الرب، الى اليوم الاخر .فعلى الانسان وقد ادخل المعركة، ان يناضل ابدا لكي يلزم الخير، وهو لن يستطيع تحقيق وحدته الذاتية الا بعد جهود شديدة، وبمؤازرة النعمة الالهية” .

4.”انك لم تسلمه لسلطان الموت”

410- الله لم يتخل عن الانسان بعد سقوطه. فهو، بعكس ذلك، يدعوه ويبشره ،بطريقة سرية، بالتغلب على الشر وباقالته من عثرته . هذا المقطع من سفرالتكوين سمي”مقدمة الانجيل “لانه البشرى الاولى بالمسيح الفادي، البشرى بصراع بين الحية والمراة، وبالانتصار النهائي لنسل هذه المراة.

411- التقليد المسيحي يرى في هذا المقطع البشرى ب “ادم الجديد” الذي، “بطاعته حتى الموت موت الصليب” (في 2 : 8) يعوض تعويضا لا يقاس عن معصية ادم والى ذلك فان كثيرين من اباء الكنسية وملافنتها يرون في المراة التي ورد ذكرها في “مقدمة الانجيل “ام المسيح، مريم، على انها “حواء الجديدة”. انها تلك التي كانت الاولى، وبطريقة فريدة، استفادة من الانتصار على الخطيئة الذي حققه المسيح: لقد صينت من دنس الخطيئة الاصلية كله ، وعلى مدى حياتها الارضية كلها لم ترتكب أي نوع من الخطيئة، وذلك بنعمة خاصة من الله .

412-ولكن لماذا لم يمنع الله الانسان الاول من ان يخطا؟ يجيب عن ذلك القديس لاون الكبير: “نعمة المسيح التي لا توصف وهبتنا خيرات اعظم من تلك التي كان حسد ابليس قد انتزعها منا” . والقديس توما الاكويني يقول: “لا شيء يمنع من ان تكون الطبيعة البشرية قد اعدت لغاية ارفع من الخطيئة. فان الله يسمح بان تحصل الشرور لكي يستخرج منها خيرا اعظم. من هنا قول القديس بولس: “حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة”(رو 5: 20). ومن هنا يقال في بركة شمعة الفصح: “يا للخطيئة السعيدة التي استحقت هكذا فاديا وبمثل هذه العظمة” .

بايجاز

413- ” ليس الموت من صنع الله، ولا هلاك الاحياء يسره (…).بحسد ابليس دخل الموت الى العالم” (حك 13:1؛ 24:2).

414- الشيطان او ابليس وسائر الشياطين هم ملائكة ساقطون لانهم رفضوا باختيارهم ان يخدموا الله وقصده. واختيارهم ضد الله نهائي. وهم يعملون على اشراك الانسان في ثورتهم على الله.

415- “اقام الله الانسان في حالة برارة. ولكن الشرير اغواه منذ بدء التاريخ، فاساء استعمال حريته، منتصبا في وجه الله، وراغبا في ان يبلغ غايته من دون الله”.

416- في كون ادم الانسان الاول، اضاع بخطيئته القداسة والبرارة الاصليتين اللتين كان قد نالها من الله، ليس فقط لنفسه، بل لجميع البشر.

417- لقد اورث ادم وحواء ذريتهما الطبيعة البشرية مجروحة بخطيئتهما الاولى، ومن ثم مجردة من القداسة والبرارة الاصليتين. وهذا الحرمان يسمى ” خطيئة اصلية”.

418- نتج عن الخطيئة الاصلية ان الطبيعة البشرية اضعفت في قواها، واخضعت للجهل، والالم وسيطرة الموت، ومالت الى الخطيئة (وهذا الميل يسمى “شهوة”).

419- ” فنحن نعتقد، مع المجمع التريدنتيني، ان الخطيئة الاصلية تنتقل مع الطبيعة البشرية،”لا تقليدا بل انتشارا”، وهي هكذا “خاصة بكل واحد” .

420- الانتصار على الخطيئة الذي حققه المسيح اعطى خيرات افضل من تلك افقدتها الخطيئة: “حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة”(رو 20:5).

421- ” في ايمان المسيحيين ان هذا العالم هو وليد محبة الله وحفيظها، سقط في عبودية الخطيئة، ولكن المسيح قد حطم بالصليب والقيامة شوكة الشرير وحرره…” .