Search

التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة

الفقرة 3- الكلي القدرة

268- من جميع الصفات الالهية لم يذكر في قانون الايمان الا صفة واحدة هي القدرة الكلية: وللاعتراف بها مدى بعيد لحياتنا. نؤمن بانها شاملة، لان الله الذي خلق كل شيء يسوس كل شيء، ويقدر على كل شيء؛ ومحبة، لان الله اب؛ وسرية، لان الايمان وحده يستطيع ان يكتشفها عندما “يبدو كمالها في الوهن” (2 كو 12: 9) .

كل ما شاء صنع (مز 115: 3)

269- الاسفار المقدسة كثيرا ما تعترف بقدرة الله الشاملة. فهو يدعى “عزيز يعقوب” (تك 49: 24؛ أش 1: 24 وغ)، “رب الجنود”، “العزيز الجبار” (مز 24: 8-10). فاذا كان الله الكلي القدرة “في السماوات وعلى الارض” (مز 135: 6) فذلك انه صنعها. فما من امر مستحيل عليه اذا، وهو يتصرف بصنيعه كما يشاء ؛ انه رب الكون الذي اقام له نظاما يبقى خاضعا له خضوعا تاما وطوع اراته . وهو سيد التاريخ: يسوس القلوب والاحداث وفق ما يشاء :” عندك قدرة عظيمة في كل حين، فمن يقاوم قوة ذراعك” ؟ (حك 11: 22).

“ترحم الجميع لانك قادر على كل شيء” (حك 11: 23)

270- الله هو الاب الكلي القدرة. ابوته وقدرته تجلو احداهما الاخرى . وهكذا فهو يظهر قدرته الكلية الابوية بالطريقة التي يهتم فيها لحاجاتنا ؛ بالتبني الذي يعطيناه (“أكون لكم ابا وتكونون لي بنين وبنات يقول الرب القدير”، 2 كو 6: 18)؛ واخيرا برحمته الغير المتناهية، اذ انه يظهر قدرته إلى اقصى حد عندما يغفر خطايانا غفرانا حرا.

271- القدرة الالهية الكلية ليست تعسفية البتة: “في الله القدرة والانية، الارادة والعقل، الحكمة والعدل، حقيقة واحدة، بحيث لا شيء يمكن ان يكون في القدرة الالهية ولا يمكن ان يكون في ارادة الله العادلة او في عقله الحكيم ” .

سر عجز الله الظاهر

272- الايمان بالله الاب الكلي القدرة قد يوضع على محك الامتحان بتجربة الشر والالم. فقد يبدو الله في بعض الاحيان غائبا وعاجزا عن منع الشر. والحال ان الله الاب قد اظهر قدرته الكلية على اعجب صورة يتنازل ابنه الطوعي وبقيامته اللذين تغلب بهما على الشر. وهكذا فالمسيح المصلوب هو “قدرة الله وحكمته؛ لان ما هو جهالة عند الله احكم من الناس، وما هو ضعف عند الله اقوى من الناس” (1 كو 1: 25) . في قيامة المسيح وتمجيده “بسط الاب عزه قوته” واظهر “فرط عظمة قدرته لنا نحن المؤمنين ” (أف 1: 19 -22).

273- الايمان وحده يستطيع ان يلزم السبل العجيبة لقدرة الله الكلية. وهذا الايمان يفخر بضعفه لاجتذاب قدرة المسيح اليه . والعذراء مريم، اسمى نموذج لهذا الايمان، هي التي امنت بأن “لا شيء يستحيل على الله” (لو 1: 37)، والتي استطاعت ان تمجد الرب: “القدير صنع بي عظائم، فاسمه قدوس” (لو 1: 49).

274- “لا شيء من شأنه ان يثبت ايماننا ورجاءنا مثل اليقين العميق المحفور في نفوسنا بأن لا شيء يستحيل على الله. فكل ما يعرضه قانون الايمان بعد ذلك لايماننا: اعظم الامور، واغلقها، وكذلك اشد الامور تعاليا على نواميس الطبيعة العادية، فحالما تحظر لعقلنا مجرد فكرة القدرة الالهية الكلية، يبادر إلى تقبلها بسهولة وبدون أي تردد .

بايجاز

275- مع ايوب الصديق نعترف: “علمت انك قادر على كل امر فلا يتعذر عليك مراد” (أي 42: 2).

276- في امانه لشهادة الكتاب المقدس، كثيرا ما توجه الكنيسة صلاتها إلى “الله الكلي القدرة والازلي”  معتقدة اعتقادا راسخا ان “لا شيء يستحيل على الله ” (لو 1: 37) .

277- يظهر الله قدرته الكلية بتحويلنا عن اثامنا وبانابتنا إلى صداقته بالنعمة :” يا الله، الذي تعطي البرهان الاعلى على قدرتك عندما تصبر وترحم … ” .

278- ما لم نؤمن بان حب الله كلي القدرة، كيف نؤمن بان الاب استطاع ان يخلصنا، والابن ان يفتدينا ، والروح القدس ان يقدسنا ؟

الفقرة 4- الخالق

279- “في البدء خلق الله السماء والارض” (تك 1:1).هذه الكلمات الاحتفالية تتصدر الكتاب المقدس. وقانون الايمان يكرر هذه الكلمات معترفا بالله الاب الكلي القدرة على انه “خالق السماء والارض” ، “الكون المرئي وغير المرئي” ، فسنتكلم اذا على الخالق اولا، ثم على خلقه، واخيرا على عثرة الخطيئة التي اتى يسوع ابن الله ليخلصنا منها .

280- الخلق هو اساس “جميع تصاميم الله الخلاصية”، “بدء تاريخ الخلاص” الذي بلغ ذروته في المسيح. وبعكس ذلك، فسر المسيح هو النور الحاسم على سر الخلق؛ انه يكشف عن الهدف الذي من اجله “في البدء خلق الله السماء والارض” (تك 1:1) : منذ البدء كان في نظر الله مجد الخلق الجديد في المسيح .

281- ولهذا تبدأ قراءات الليلة الفصحية، أي الاحتفال بالخلق الجديد في المسيح، بقصة الخلق؛ وقصة الخلق هذه تقوم بها دائما، في الليترجيا البيزنطية ، القراءة الاولى من قراءات عشية الاعياد السيدية الكبرى. وكان تعليم الموعوظين للمعمودية، على حد ما يرويه الاقدمون، ينهج النهج نفسه .

1. التعليم المسيحي في موضوع الخلق

282- للتعليم المسيحي في موضوع الخلق اهمية رئيسية. انه يعنى بأسس الحياة البشرية والمسيحية نفسها: اذ انه يصرح بجواب الايمان المسيحي عن السؤال البدائي الذي تساء له البشر في جميع العصور: “من اين نأتي؟”، “إلى اين نذهب؟”، “ماهو مصدرنا؟” ، “ما هي غايتنا؟” ، “من اين اتى واين ينتهي كل موجود؟”. السؤالان، السؤال عن المصدر والسؤال عن الغاية، لا ينفصل احدهما عن الاخر. انهما تقريريان بالنسبة إلى معنى حياتنا وسلوكنا وتوجيهما.

283- كانت مبادىء العالم والانسان موضوع ابحاث علمية اغنت اغناء عظيما معارفنا بالنسبة إلى عمر الكون واحجامه، وصيرورة الانواع الحية، وظهور الانسان. هذه الاكتشافات تدعونا إلى زيادة في النظر إلى عظمة الخالق باعجاب، والى حمده من اجل صنائعه ومن اجل ما يمنح العلماء والباحثين من الفهم والحكمة. هؤلاء يستطيعون ان يقولوا مع سليمان : “وهبني يقينا بالكائنات حتى اعرف نظام العالم وفاعلية العناصر (…)لان الحكمة مهندسة هي علمتني” (حك 7: 17-21).

284- ان الفائدة الكبرى المعلقة على هذه الابحاث يزيد الحاجة إلى تطلبها، زيادة شديدة، سؤال من نظام اخر يفوق مجال العلوم الطبيعية الخاص. فالموضوع لا ينحصر في معرفة متى وكيف ظهر الكون ماديا، ولا متى ظهر الانسان، بل بالاحرى في اكتشاف معنى مثل هذا الصدور: هل تتحكم به الصدفة، قدر اعمى، ضرورة غفل، او كائن اعلى، عاقل وصالح، يدعى الله. واذا كان العالم صادرا عن حكمة الله وصلاحه، ففيم الشر؟ ما مصدره؟ من المسؤول عنه؟ وهل من تحرر منه؟

285- الايمان المسيحي قوبل منذ ظهوره بأجوبه تخالف جوابه في موضوع المبادىء. وهكذا فاننا نجد في الاديان والثقافات القديمة اساطير كثيرة في موضوع المبادىء. فقد قال بعض الفلاسفة بأن الكل هو الله، بان العالم هو الله، او بان صيرورة العالم هي صيرورة الله (حلولية)؛ وقال اخرون بان العالم فيض حتمي من الله، جار من هذا الينبوع وعائد اليه؛ واثبت اخرون وجود مبداين خالدين، الخير والشر، النور والظلمة، في صراع دائم (ثنائية، مانوية)؛ وفي بعض التصورات ان العالم (على الاقل العالم المادي) قد يكون شريرا، ثمرة سقطة، ويجب من ثم نبذة او الترفع عليه (غنوصية)؛ ويسلم اخرون بان العالم من صنع الله ، ولكن على طريقة الساعاتي الذي جعل حبله على غاربه بعد اذ صنعه (تأليه طبيعي)؛ ورفض اخيرا اخرون أي مبدا متسام للعالم، ويرون فيه مجرد تفاعل لمادة وجدت على الدوام (مادية). جميع هذه المحاولات تشهد بتواصل مسألة المبادىء وشمولها. وهذا التحري هو من خواص الانسان.

286- مما لا شك فيه ان العقل البشري يستطيع ان يجد جوابا عن مسألة المبادىء. فمن الممكن ان يعرف وجود الله الخالق معرفة يقين عن طريق أعماله بفضل نور العقل البشري ، وان جعل الضلال هذه المعرفة، في احيان كثيرة، غامضة ومشوهه. ولهذا يبادر الايمان ليثبت العقل وينيره في تفهم هذه الحقيقة تفهما صحيحا:” بالايمان نعلم ان العالم قد انشىء بكلمة الله بحيث ان ما يرى صدر عما لا يرى” (عب 11: 3).

287- ان حقيقة الخلق هي بهذه الاهمية للحياة البشرية كلها بحيث ان الله اراد، في عطفه، ان يكشف لشعبه عن كل ما معرفته خلاصية في الموضوع. وعلاوة على المعرفة الطبيعية التي يستطيع كل انسان ان يعرف بها الخالق ، كشف الله مرحليا لاسرائيل عن سر الخلق، هو الذي اختار الاباء، واخرج اسرائيل من مصر، والذي، باختياره اسرائيل، خلقه ونشأه ، وهو يكشف عن نفسه على انه يملك جميع شعوب الارض، والارض كلها، على انه هو وحده الذي صنع السماء والارض” (مز 115: 15؛ 124: 8؛ 134: 3).

288- وهكذا فالوحي بالخلق لا ينفصل عن الوحي بعهد الله الواحد لشعبه وتحقيق ذلك العهد. لقد اوحى بالخلق وكأنه الخطوة الاولى نحو هذا العهد، وكأنه الشهادة الاولى الشاملة لمحبة الله الكلية القدرة . ولهذا فحقيقة الخلق يعبر عنها بشدة متصاعدة في رسالة الانبياء ، في صلاة المزامير والليترجيا، في تأملات حكمة الشعب المختار.

289- بين جميع اقوال الكتاب المقدس في الخلق تحتل فصول سفر التكوين الثلاثة الاولى محلا فريدا. من الناحية الادبية قد يكون لهذه النصوص مصادر مختلفة. وقد جعلها الكتاب الملهمون في فاتحة الكتاب المقدس بحيث انها تعبر، بلغتها الاحتفالية، عن حقائق الخلق، عن مصدره وانتهائه في الله، عن نظامه وجودته، عن دعوة الانسان، واخيرا عن مأساة الخطيئة ورجاء الخلاص. عندما تقرا هذه الاقوال على ضوء المسيح، في وحده الكتاب المقدس وفي تقليد الكنيسة الحي، تظل الينبوع الرئيسي لتعليم اسرار”البداية”: الخلق والسقوط والوعد بالخلاص.

2. الخلق- عمل الثالوث الاقدس

290- “في البدء خلق الله السماء والارض”: ثلاثة امور اعلنت في هذه الكلمات الاولى من الكتاب :” الله الازلي جعل بدءا لكل ما يوجد خارجا عنه. هو وحده خالق (الفعل “خلق”)، وبالعبرانية “برا”، فاعله الله دائما). كل ما يوجد (المعبر عنه بالقول “السماء والارض”)يتعلق بالذي يمنحه الوجود.

291- “في البدء كان الكلمة (…) وكان الكلمة الله (…) به كون كل شيء وبدونه لم يكن شيء مما كون” (يو 1: 1-3). فالعهد الجديد يكشف عن ان الله خلق كل شيء بالكلمة الازلية، ابنه الحبيب: “ففيه خلق جميع ما في السماوات وعلى الارض (…) به وله خلق كل شيء. انه قبل كل شيء وفيه يثبت كل شيء” (كول 1: 16-17). وايمان الكنيسة يثبت ايضا عمل الروح القدس الخلاق: انه ” واهب الحياة” ، “الروح الخالق” (“هلم ايها الروح الخالق” )، “ينبوع كل خير” .

292- ان عمل الابن والروح الخلقي، الذي اشير اليه في العهد القديم ، وكشف عنه في العهد الجديد، الواحد مع عمل الاب في غير انفصال، قد اثبته بوضوح قاعدة ايمان الكنيسة: ” لا يوجد الا اله واحد (…) هو الاب، وهو الله، وهو الخالق، وهو الصانع، وهو المنظم. صنع كل شيء بنفسه، أي بكلمته وبحكمته” ، “بالابن والروح” اللذين هما بمثابه “يديه” ، الخلق هو عمل الثالوث الاقدس المشترك .

3. “العالم خلق لمجد الله”

293- انها حقيقة اساسية لا يكف الكتاب والتقليد عن تعليمها والاحتفال بها: “خلق العالم لمجد الله” . ويفسر ذلك القديس بونفنتورة بقوله: لقد خلق الله كل شيء “لا لزيادة مجده، بل لاظهار ذلك المجد والاشراك فيه” . فما من داع يدعو الله إلى الخلق سوى محبته وجودته: “مفتاح المحبة هو الذي فتح كفه لانشاء الخلائق” . والمجمع الفاتيكاني الاول يشرح :
” هذا الاله الواحد الحقيقي، في صلاحه وبقوته الكلية القدرة، لا لزيادة سعادته ولا لتحصيل كماله، بل لاظهاره بالخيرات التي يوفرها لخلائقه، وفي التصميم الاكثر حرية ايضا، خلق، منذ بدء الزمان، كلتا الخليقتين، الروحانية والجسدانية” .

294- مجد الله هو في ان يتحقق هذا الظهور لصلاحه وهذه المشاركة فيه اللذين من اجلهما خلق العالم. فأن يجعلنا “ابناء بالتبني بيسوع المسيح: هذا ما كان تصميم ارادته العطوف لتسبحة مجد نعمته” (أف 1: 5-6). “اذ ان مجد الله هو الانسان الحي، وحياة الانسان، هي رؤية الله: فاذا كان الكشف عن الله بالخلق وفر الحياة لجميع الكائنات التي تعيش على الارض، فكم بالاحرى يوفر ظهور الاب بالكلمة الحياة للذين يرون الله” . ان غاية الخلق القصوى هي في ان يصبح الله “خالق جميع الكائنات”، اخيرا”كلا في الكل”(1 كو 25: 28)، موفرا مجده وسعادتنا معا” .

4. سر الخلق
الله يخلق بحكمة ومحبة

295- نحن نؤمن ان الله خلق العالم بحسب حكمته . فالعالم ليس صنع احدى الحتميات، صنع قدر اعمى او صدفة. نحن نؤمن انه يصدر عن ارادته حرة لله الذي اراد ان يشرك الخلائق في كينونته وحكمته وجودته :” لانك انت خلقت جميع الاشياء، وبمشيئتك كانت وخلقت” (رؤ 4: 11). ” ما اعظم اعمالك، يا رب، لقد صنعت جميعها بالحكمة” (مز 104: 24). “الرب صالح للجميع ومراحمه على كل صنائعه “(مز 145: 9).

الله يخلق ” من العدم”

296- نحن نؤمن ان الله ليس بحاجة إلى شيء سابق الوجود، ولا إلى عون لكي يخلق . والخلق كذلك ليس انبثاقا حتميا من جوهر الله . الله يخلق خلقا حرا “من العدم” :
“هل يكون الامر عجيبا لو اخرج الله العالم من مادة موجودة؟ عندما يعطى صانع بشري مادة ما فانه يصنع بها ما يشاء. اما قدرة الله فانها تظهر بوضوح عندما ينطلق من العدم لكي يصنع كل ما يريد” .

297- الايمان بالخلق “من العدم” مثبت في الكتاب كحقيقة مليئة بالوعد والرجاء. وهكذا فأم الابناء السبعة تحثهم على الاستشهاد:

” اني لست اعلم كيف نشأتم في احشائي، ولا انا منحتكم الروح والحياة، ولا احكمت تركيب اعضائكم؛ على ان خالق العالم الذي جبل تكوين الانسان وابدع لكل شيء تكوينه سيعيد اليكم برحمته الروح والحياة، لانكم الان تبذلون انفسكم في سبيل شريعته (…). انظر، يا ولدي، إلى السماء والارض، واذا رايت كل ما فيها فأعلم ان الله صنع الجميع من العدم، وكذلك وجد جنس البشر” (2 مك 7: 22-23، 28).

298- وبما ان الله يستطيع ان يخلق من العدم، فهو يستطيع ايضا، بالروح القدس، ان يمنح الخطأة حياة النفس خالقا فيهم قلبا طاهرا ، والاموات حياة الجسد بالقيامة، هو الذي “يحي الاموات ويدعو ما هو غير كائن إلى ان يكون”(رو 4: 17). وبما انه استطاع بكلمته ان يطلع النور من الظلمات ، فهو يستطيع ايضا ان يمنح نور الايمان لمن يجهلونه .

الله يخلق عالما منظما وحسنا

299- اذا كان الله يخلق بحكمة، فخلقه يكون منظما: “رتبت كل شيء بمقدار وعدد ووزن” (حك 11: 21) واذ جرى الخلق في الكلمة الازلي وبالكلمة الازلي “صورة الله غير المنظور”(كو 1: 15) فهو معد للانسان وموجه اليه على انه صورة الله ، ومدعو هو نفسه إلى علاقة شخصيه بالله. واذ كان عقلنا مشتركا في نور العقل الالهي، فهو يستطيع ان يدرك ما يقوله لنا الله بخلقه ، ولو بجهد غير يسير، وبروح اتضاع واحترام امام الخالق وصنيعه . واذ كان الخلق صادرا عن الصلاح الالهي فهو يشترك في هذا الصلاح (“وراى الله ذلك انه حسن (…) حسن جدا” : تك 1: 4، 10، 12، 18، 21، 31). ذلك ان الله اراد الخلق هبه موجهة إلى الانسان، بمثابة ارث خص به واودعه. وقد اضطرت الكنيسة، مرات عدة، إلى ان تدافع، عن جودة الخلق، وفيه العالم المادي .

الله يسمو بالخليقة ويحضر فيها

300- الله اعظم من صنائعه على وجه غير محدود : “عظمته فوق السماوات” (مز 8: 2)، ” ليس لعظمته استقصاء”(مز 145: 3). ولكن بما انه الخالق المطلق والحر، والعلة الاولى لكل موجود، فهو حاضر في خلائقه حضورا حميما جدا:” به نحيا ونتحرك ونوجد” (أع 17: 28). وهو، على حد قول اوغسطينوس، “أعلى من كل ما هو اعلى في، واعمق مما هو اعمق” .

الله يصون الخليقة ويحملها

301- يخلق الله ولا يترك خليقته على ذاتها. انه لا يكتفي بمنحها الكينونة والوجود، فيصونها في الكينونة كل حين، ويهبها ان تعمل، ويقودها إلى نهايتها. والاقرار بهذه التبعية الكاملة بالنسبة إلى الخالق هو ينبوع حكمة وحرية، وفرح وثقة :

” اجل ، انك تحب جميع الكائنات، ولا تمقت شيئا مما صنعت؛ فانك لو ابغضت شيئا لم تكونه. وكيف يبقى شيئا لم ترده، ام كيف يحفظ ما لست انت داعيا له. انك تشفق على جميع الكائنات لانها لك، ايها الرب المحب الحياة” (حك 11: 24-26).

5. الله يحقق تصميمه : العناية الالهية

302- للخليقة جودتها وكمالها الخاصان، ولكنها لم تخرج من يدي الخالق كاملة الكمال. انها مخلوقة في حالة مسيرة  إلى كمال اقصى عليها ان تبلغه بعد، كمال اعدها الله له. ونحن ندعو عناية إلهية التدابير التي يقود بها الله خليقته إلى كمالها .

” الله يصون ويسوس بعنايته كل ما خلق، “بالغة من غاية إلى غاية بالقوة، ومدبرة كل شيء بالرفق” (حك 8: 1). “فلذلك ما من خليقة مستترة عنها، بل كل شيء عار لعينيها” (عب 4: 13)، حتى الاشياء التي يأتي بها عمل الخليقة الحر ” .

303- شهادة الكتاب المقدس اجماعية : اهتمام العناية الالهية واقعي وفوري، فهي تعنى بكل شيء، من احقر الامور الصغيرة إلى احداث العالم والتاريخ العظيمة. والاسفار المقدسة تشدد على سيطرة الله المطلقة على مجرى الاحداث:” الهنا في السماء وعلى الارض، كل ما شاء صنع”(مز 115: 3). وعن المسيح قيل:” يفتح فلا يغلق احد، ويغلق فلا يفتح احد”(رؤ 3: 7)؛ “في قلب الانسان افكار كثيرة، لكن مشورة الرب هي تثبت” (أم 19: 21).

304- هكذا نرى الروح القدس، وهو مؤلف الكتاب المقدس الرئيسي، كثيرا ما ينسب إلى الله اعمالا، بدون ان يذكر لها عللا ثانية. ليس ذلك “اسلوبا في التحدث” بدائيا، ولكنه نهج عميق في التذكير باولية الله وسيادته المطلقة على التاريخ وعلى العالم ، ويبعث الثقة فيه. وصلاة المزامير هي المدرسة الكبرى لهذه الثقة .

305- يسوع يطلب استسلاما بنويا لعناية الاب السماوي الذي يعنى بأصغر حاجات ابنائه: “لا تقلقوا اذن قائلين ماذا نأكل او ماذا نشرب؟ (…) ابوكم السماوي عالم بانكم تحتاجون إلى هذا كله. بل اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذا كله يزاد لكم” (متى 6: 31-33) .

العناية والعلل الثانية

306- الله هو سيد تصميمه المطلق. ولكنه يستعين ايضا، في تحقيقه، بعمل خلائقه. وليس ذلك علاقة ضعف، ولكنه دليل عظمة الله الكلي القدرة وجودته؛ لان الله لا يمنح خلائقه ان يوجدوا وحسب، بل يمنحهم ايضا كرامة العمل الذاتي، وان يكون بعضهم علل البعض الاخر ومبادئه، ويشتركوا هكذا في اتمام تصميمه .

307- والله يمنح البشر ايضا المقدرة على الاشتراك الحر في عنايته بان يلقي اليهم بمسؤولية “اخضاع” الارض والتسلط عليها . وهكذا يعطي الله البشر ان يكونوا عللا عاقلة وحرة لاتمام عمل الخلق، وتحقيق التناغم لصالحهم وصالح قريبهم. وان كان البشر في كثير من الاحيان شركاء غير واعين في ارادة الله، فانهم يستطيعون ان يدخلوا اختياريا في التصميم الالهي، وصلواتهم، ثم بالامهم ايضا . وهم يصبحون اذ ذاك كليا “عاملين مع الله” (1 كو 3: 9) وملكوته .

308- حقيقة لا تنفصل عن الايمان بالله الخالق: ان الله يعمل في كل عمل لخلائقه. انه العلة الاولى التي تعمل في العلل الثانية وبها”الله هو الذي يفعل فيكم الارادة والعمل نفسه على حسب مرضاته” (فيل 2: 13) . وهذه الحقيقة بعيدة عن ان تحط من كرامة الخليقة، فهي تعليها. فالخليقة التي أنشاتها من العدم قدرة الله وحكمته وجودته، لا تسطيع شيئا اذا اجتثت من اصلها، لان “الخليقة تتلاشى بدون الخالق” ؛ وهي إلى ذلك ان تبلغ غايتها القصوى بدون معونة النعمة .

العناية الإلهية ومشكلة الشر

309- إذا كان الله الآب الكلي القدرة، خالق العالم منظما وحسنا، يعتني بجميع مخلوقاته، فلماذا الشر موجود؟ عن هذه المسألة الملحة بقدر ما هي حتمية، والأليمة بقدر ما هي سرية ، ما من جواب سريع يكفيها. الجواب هو في مجموعة الإيمان المسيحي: جودة الخلق، مأساة الخطيئة، أناة محبة الله الذي يسعى إلى ملاقاة البشر بعهوده، بتجسد ابنه ألخلاصي، بموهبة الروح، بتجميع الكنيسة، بقوة الأسرار، بالدعوة إلى حياة سعيدة والمخلوقات الحرة مدعوة مسبقاً إلى قبولها، كما هي قادرة أيضاً مسبقاً، وبسر رهيب، أن تتجنبها. ما من حرف في الرسالة المسيحية لا يدخل في الجواب عن مسألة الشر .

310- لماذا لم يخلق الله عالماً من الكمال بحيث لا يتمكن أي شر من الوجود فيه ؟ الله، في قدرته غير المتناهية، يستطيع دائماً أن يخلق شيئاً أفضل . ومع ذلك فقد أراد الله، في حكمته وجودته، واختياره أن يخلق عالماً “في حالة مسيرة” إلى كماله الأقصى. وهذه الصيرورة تقتضي، في تصميم الله، مع ظهور بعض الكائنات انقراض غيرها، مع الأكمل الأقل كمالاً أيضاً، مع أعمال بناء الطبيعة أعمال هدمها أيضاً. فمع الخير الطبيعي يوجد أيضاً الشر الطبيعي ما دام الخلق لم يبلغ بعد كماله .

311- الملائكة والبشر، بكونهم مخلوقات عاقلة وحرة، يجب أن يسيروا نحو غايتهم القصوى باختيار حر ومحبة للأفضل. فبإمكانهم أن يضلوا. وقد خطئوا فعلاً. وهكذا دخل الشر الأدبي العالم، وهو، وإن لم يكن له وللشر الطبيعي قياس مشترك، يفوقه خطورةً. والله ليس البتة علة الشر الأدبي ، لا مباشرةً ولا بوجه غير مباشر . ولكنه يسمح به، مراعياً حرية خليقته، ويعرف، بطريقة سرية، كيف يستخرج منه الخير:

” فالله الكلي القدرة (…)، في صلاحه المطلق، لا يدع أبداً أي شر يكون في صنائعه لو لم يكن له من القدرة والجودة ما يكفي لاستخراج الخير من الشر نفسه .”

312- وهكذا، مع الوقت، يمكن اكتشاف أن الله، في عنايته الكلية القدرة، يستطيع أن يستخرج خيراً من عواقب شر، ولو أدبياً، سببته خلائقه. قال يوسف لإخوته: “لا أنتم بعثتموني إلى ههنا بل الله؛ (…) أنتم نويتم علي شراً والله نوى به خيراً لكي يحيي شعباً كثيراً” ( تك 8:45 ؛ 20:50 ) . ومن أعظم شر أدبي اقترف على الدهر ، أي نبذ ابن الله وقتله، بسبب خطيئة جميع البشر، استخرج الله، في فيض نعمته ، أعظم الخيور: تمجيد المسيح وفداءنا. والشر لا يتحول مع ذلك إلى خير.

313- ” كل شيء يسعى لخير الذين يحبون الله ” ( رو 28:8). وفي شهادة القديسين المتواصلة ما يثبت هذه الحقيقة:

وهكذا فالقديسة كاترينا السيينية تقول “للذين يتشككون ويثورون من جراء ما يصيبهم”: “كل شيء يصدر عن المحبة، كل شيء موجه لخلاص الإنسان. الله لا يعمل شيئاً إلا لهذه الغاية” .
والقديس تومت مور، قبيل استشهاده ، يقول معزياً ابنته: “لا شيء يمكن أن يحصل بغير إرادة الله. ومن ثم فكل ما يريده، مهما ظهر لنا سيئاً ، هو مع ذلك أفضل ما يكون لنا” .
وتقول الليدي جوليان دي نورويتش:” لقد أدركت، بنعمة الله، أنه من الواجب أن أتشبث بالإيمان تشبثاً شديداً، وأن أعتقد اعتقاداً ليس دونه ثباتاً، أن الأمور كلها ستكون حسنة …. وسترى أن الأمور كلها ستكون حسنة ” .

314- نحن نؤمن إيماناً ثابتاً أن الله سيد العالم والتاريخ. ولكن سبل عنايته كثيراً ما تخفى عنّا. ففي النهاية فقط، عندما تنتهي معرفتنا الجزئية، عندما نرى الله “وجهاً إلى وجه” ( 1 كو 12:13)، ستتضح لنا السبل اتضاحاً كاملاً، السبل التي، حتى في ما بين مآسي الشر والخطيئة، يقود الله خليقته عبرها إلى راحة السبت النهائي، الذي خلق لأجله السماء والأرض .

بإيجاز

315- في خلق العالم والإنسان أرسى الله الشهادة الأولى والشاملة لمحبته الكلية القدرة وحكمته، الإعلان الأول لِ “تصميمه العطوف” الذي ينتهي بالخليقة الجديدة في المسيح .

316- وإن كان عمل الخلق منسوباً، على وجه خاص، إلى الآب، فمن حقيقة الإيمان أيضاً أن الآب والابن والروح القدس هم المبدأ الواحد والغير منفصل للخلق .

317- الله وحده خلق الكون باختياره، ومباشرةً، ومن دون أية معونة .

318- ما من خليقة تملك القدرة الغير متناهية الضرورية “للخلق” بمعناه الدقيق، أي إحداث الوجود وإعطائه لما لم يكن له قط (الدعوة إلى الوجود “من العدم”).

319- الله خلق العالم ليظهر مجده ويشرك فيه. ان تشرك خلائقه في حقيقته ، وجودته، وجماله، هذا هو المجد الذي خلقها لأجله.

320- الله الذي خلق الكون يبقيه في الوجود بكلمته، “هذا الابن الذي يضبط كل شيء بقدرة كلمته” ( عب 3:1 ) وبروحه الخالق المحيي.

321- العناية الإلهية، هذه هي التدابير التي يقود بها الله جميع الخلائق، بحكمة ومحبة، إلى غايتها القصوى.

322- المسيح يدعونا إلى الاستسلام البنوي لعناية أبينا السماوي، والرسول القديس بطرس يعيد القول: “ألقوا عليه همكم كله، فإنه يعتني بكم” (1 بط 7:5).

323- العناية الإلهية تعمل أيضاً بعمل الخلائق. الله يعطي الكائنات البشرية أن تشرك في تصاميمه باختيارها.

324- سماح الله بالشر الطبيعي والشر الأدبي سر يجلوه الله بابنه يسوع المسيح الذي مات وقام للتغلب على الشر. الإيمان يثبت لنا أن الله لا يسمح بالشر لو لم يكن يستخرج الخير من الشر نفسه، بسبل لن نعرفها معرفة كاملة.

الفقرة 5 – السماء والأرض

325- قانون إيمان الرسل يعترف بأن الله “خالق السماء والأرض” ، وقانون إيمان نيقية – القسطنطينية يصرح: ” … الكون المرئي وغير المرئي” .

326- في الكتاب المقدس يعني التعبير “سماء وأرض”: كل ما يوجد، الخليقة كلها. وهو يدل أيضاً على العلاقة، في داخل الخليقة، التي، في الوقت نفسه، تربط وتميز السماء والأرض : و” الأرض” هي عالم البشر ، و”السماء” أو “السماوات” يمكن أن تدل على الجلد ، وأن تدل أيضاً على “المكان ” الخاص بالله: “أبانا الذي في السموات” ( متى 16:5 ) ، ومن ثم أيضاً “السماء” التي هي المجد الإسخاتولوجي. واخيراً تدل “السماء” على “مكانط الخلائق الروحانية – الملائكة- التي تحيط بالله .

327- إن اعتراف المجمع اللاتراني الرابع الإيماني يثبت أن الله “منذ بدء الزمان جمع معاً الخلق من العدم لهذه وتلك الخليقة، الروحانية والجسدية، أي الملائكة والعالم الأرضي؛ ثم الخليقة البشرية التي تشارك الطرفين، لأنها مركبة من روح وجسد” .

1. الملائكة

وجود الملائكة – حقيقة إيمانية

328- وجود الكائنات الروحانية ، غير الجسدية ، التي درج الكتاب المقدس على تسميتها ملائكة ، حقيقة إيمانية. شهادة الكتاب المقدس واضحة وكذلك إجماع التقليد .

من هم ؟

329- يقول القديس أوغسطينوس في شأنهم: “ملاك يدل على المهمة لا على الطبيعة . تسأل عما تسمى هذه الطبيعة؟ – روح . تسأل عن المهمة؟ – ملاك. هو من حيث هو، روح ، ومن حيث عمله ، ملاك ” . الملائكة ، في ذات كيانهم كله ، خدام الله ورسله ، لأنهم يشاهدون “بلا انقطاع وجه أبي الذي في السموات” ( متى 10:18)، إنهم “العاملون بكلمته عند سماع صوت كلامه” ( مز 20:103 ).

330- في كونهم خلائق روحانية مجردة ، هم عقل وإرادة: إنهم خلائق شخصية ، وغير مائتة . ويتفوقون على جميع الخلائق المرئية كمالاً. وألق مجدهم يشهد بذلك .

المسيح ” مع جميع ملائكته “

331- المسيح قلب العالم الملائكي. إنهم ملائكته: “متى جاء ابن البشر بمجده ملائكته معه …” ( متى 31:25). هم له لأنه هو الذي خلقهم وله خلقهم: “إذ فيه خلق جميع ما في السماوات وعلى الأرض، ما يرى وما لا يرى، عروشاً كان أم سيادات أم رئاسات أم سلاطين. به وإليه خلق كل شيء” ( كو 16:1 ). وهم له فوق ذلك لانه جعلهم رسل قصده الخلاصي: “أوليسوا جميعهم أرواحاً خادمة، ترسل للخدمة من أجل المزمعين أن يرثوا الخلاص” ( عب 14:1).

332- إنهم ههنا منذ بدء الخليقة ، وعلى مدى تاريخ الخلاص، مبشرين، من بعيد أو من قريب، بهذا الخلاص، وخادمين القصد الإلهي في تحقيقه: يعلنون الفردوس الأرضي ، يحامون عن لوط ، ينقذون هاجر وابنها ، يوقفون يد إبراهيم ، يسلم الناموس على يدهم ، يقودون شعب الله ، يبشرون بولادات ودعوات ، يواكبون الأنبياء ، هذا إذا اقتصرنا على إيراد بعض الأمثلة. وأخيراً هذا الملاك جبرائيل الذي يبشر بولادة السابق وولادة يسوع نفسه .

333- من التجسد إلى الصعود كانت حياة الكلمة المتجسد تكتنفها عبادة الملائكة وخدمتهم. “عندما يدخل الله البكر إلى العالم يقول: لتسجد له جميع ملائكة الله” ( عب 6:1). ونشيد تسبحتهم عند ميلاد المسيح لا يزال يدوي في تسبيح الكنيسة: “المجد لله…..” ( لو 14:2). إنهم يحرسون طفولة يسوع ، ويخدمونه في البرية ، ويشددونه في النزاع ، عندما كان بإمكانه أن ينجو على يدهم من أيدي أعدائه ، كما جرى ذلك لإسرائيل قديماً . والملائكة هم الذين “يبشرون” ، مذيعين بشرى التجسد ، وبشرى قيامة المسيح . وسيكونون ههنا عند عودة المسيح التي يبشرون بها ، في خدمة دينونته .

الملائكة في حياة الكنيسة

334- إلى ذلك الموعد تنعم حياة الكنيسة كلها بمساعدة الملائكة السرية والقديرة .

335- والكنيسة ، في طقوسها ، تنضم إلى الملائكة في السجود لله الثلاثي القداسة ؛ وهي تطلب معونتهم ( كما في الصلاة: يقودك الملائكة في الفردوس … في ليترجيا الأموات ، أو أيضاً في “النشيد الشيروبيمي” في الليترجيا البيزنطية ) ؛ وهي تحتفل بنوع أخص بذكرى بعض الملائكة (القديس ميخائيل، والقديس جبرائيل، والقديس رافائيل، والملائكة الحراس).

336- من المولد إلى الوفاة يكتنفون الحياة البشرية بحراستهم وشفاعتهم . “لكل مؤمن ملاك يرافقه حارساً وراعياً لكي يقوده إلى الحياة” . منذ الوجود الأرضي تشترك الحياة المسيحية، بالإيمان، في المجتمع السعيد للملائكة والبشر المتحدين بالله.

2. العالم المرئي

337- الله نفسه هو الذي خلق العالم المرئي في كل غناه، وتنوعه، ونظامه. الكتاب المقدس يعرض لنا مشروع الخالق بطريقة رمزية يتسلسل على مدى ستة أيام من” العمل ” الإلهي، تنتهي” باستراحة” اليوم السابع . النص الملهم يعلم، في موضوع الخلق، حقائق أوحي بها الله لأجل خلاصنا ، من شأنها أن تساعد على “معرفة طبيعة الخلق العميقة، وقيمته، وهدفه الذي هو مجد الله” .

338- لا شيء موجود إلا ووجوده من الله الخالق . لقد ابتدأ العالم عندما استخرج من العدم بكلمة الله؛ جميع الكائنات الموجودة، كل الطبيعة، كل تاريخ البشر، تتأصل في هذا الحدث الرئيسي: إنه التكوين ذاته الذي تكون به العالم، وابتدأ الزمن .

339- كل خليقة تمتلك جودتها وكمالها الذاتيين. ولكل من صنائع “الأيام الستة” قيل: “ورأى الله ذلك إنه حسن”. ” فبواقع عمل الخلق نفسه تنتظم الأشياء كلها في شتى مقوماتها وحقيقتها وصلاحيتها ونواميسها وأنظمتها الخاصة” . الخلائق المختلفة، وقد أرادها الله في كيانها الخاص، تعكس، كل على طريقتها، شعاعا من حكمته وجودته الغير المتناهيتين. ولهذا وجب على الإنسان أن يحترم لكل خليقة جودتها الخاصة، لكي يتجنب استعمال الأشياء استعمالاً فوضوياً يزدري الخالق ويجر على البشر وعلى بيئتهم عواقب وخيمة .

340- ترابط الخلائق أراده الله. فالشمس والقمر، والأرزة والزهرة الصغيرة، والنسر والدوري: مشهد تنوعها وتباينها غير المحدودين يعني ان ليس لأي خليقة اكتفاء ذاتي. إنها لا توجد إلا مرتبطة بعضها ببعض، لكي تتكامل، في خدمة بعضها البعض .

341- جمال الكون : نظام العالم المخلوق وتناسقه هما نتيجة تنوع الكائنات والعلاقات القائمة بينها. والإنسان يكتشفهما شيئاً فشيئاً على أنهما من نواميس الطبيعة. إنهما موضوع إعجاب العلماء. إن جمال الخليقة يعكس جمال الخالق غير المتناهي. فيجب أن تستدعي الاحترام والخضوع لدى عقل الإنسان وإرادته.

342- هرمية الخلائق يعبر عنها نظام “الأيام الستة” الذي يذهب من الأقل كمالاً إلى الأكثر كمالاً. الله يحب جميع خلائقه ، ويعتني بكل واحدة منها، حتى أصغر العصافير. ومع ذلك فيسوع يقول: “أنتم أفضل من عصافير كثيرة” ( لو 7:12)، أو أيضاً: ” والإنسان كم يفضل الخروف” ( متى 12:12 ).

343- الإنسان قمة عمل الخلق. والرواية الملهمة تعبر عن ذلك مميزة بوضوح خلق الإنسان من خلق سائر المخلوقات .

344- بين جميع الخلائق تكافل من حيث إن لجميعها خالقاً واحداً، وإنها جميعاً موجهة في سبيل مجده:

“لك المديح، يا رب، في جميع خلائقك، ولاسيما السيدة أختنا الشمس، التي تمنحنا بها، في النهار، النور، إنها جميلة، ولها إشعاع شديد التألق، وهي عنك، أيها العلي، تقدم لنا الرمز ….

لك المديح، يا رب، لأجل أخينا الماء، ذي النفع العظيم والتواضع الشديد، الثمين والطاهر ….

لك المديح، يا رب، من أجل الأخت أمنا الأرض، التي تحملنا وتقوتنا، التي تؤثي الثمار المتنوعة مع الأزهار المختلفة الألوان والأعشاب …..

سبحوا وباركوا ربي، وأحمدوه واخمدوه في كل تواضع” .

345- السبت هو نهاية عمل ” الأيام الستة”. الكتابة المقدسة تقول إن “الله فرغ من عمله في اليوم السابع” و”أكملت هكذا السماء والأرض”، وإن الله “استراح” في اليوم السابع، وبارك وقدس ذلك اليوم ( تك 1:2- 3 ). في هذه الأقوال الملهمة جم من التعاليم الخلاصية :

346- في الخلق أرسى الله أساساً وأنظمة ثابتة لا تتغير ، يستطيع المؤمن أن يستند إليها بثقة، وتكون له علامة وضمان أمانة عهد الله التي لا تتزعزع . وعلى الإنسان، من جهته، أن يظل وفياًّ.

347- عُمل عملُ الخلق من أجل السبت ومن ثم من أجل عبادة الله. العبادة مسجلة في نظام الخلق . وقد ورد في قانون القديس بندكتوس أنه “لا يفضل شيء على عبادة الله” ، مشيراً هكذا إلى النظام الصحيح في الاهتمامات البشرية.

348- السبت هو في قلب شريعة اسرائيل. وحفظ الوصايا هو التلبية لحكمة الله ومشيئته اللتين يعبر عنهما عمل الخلق.

349- اليوم الثامن. ولكن بالنسبة إلينا قد طلع يوم جديد: يوم قيامة المسيح. اليوم السابع يتم الخلق الأول. اليوم الثامن يفتتح الخلق الجديد. وهكذا فعمل الخلق يرقى إلى عمل أعظم هو الفداء. الحق الأول يجد معناه وقمته في الخلق الجديد في المسيح الذي يفوق ألقه ألق الخلق الأول .

بإيجاز

350- الملائكة مخلوقات روحانية تمجد الله بلا انقطاع، وتخدم مقاصده الخلاصية بالنسبة إلى سائر المخلوقات: “الملائكة يتضافرون على كل ما هو صالح لنا”.

351- الملائكة يحيطون بالمسيح، ربهم. إنهم يخدمونه على وجه خاص في قيامه برسالته الخلاصيّة تجاه البشر.

352- الكنيسة تكرم الملائكة الذين يساعدونها في مسيرتها الأرضية، الذين يحرسون كل كائن بشري.

353- الله أراد تنوع خلائقه، وجودتها الخاصة، وترابطها، ونظامها. وقد وجه جميع المخلوقات المادية إلى ما هو في صالح الجنس البشري. الإنسان، ومن خلاله كل الخليقة، يسير في خط مجد الله.

354- احترام الشرائع المكتوبة في الخليقة والعلاقات التي تصدر عن طبيعة الأشياء هو مبدأ حكمة وأساس للأخلاقيات.