Search

التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة

المقال الرابع

يسوع المسيح” تألم في عهد بيلاطس، وصلب، ومات، ودفن”

571- السر الفصحي لصليب المسيح وقيامته هو في قلب الانجيل الذي ينبغي للرسل، وللكنيسة من بعدهم، ان يبشروا به العالم. فقصد الله الخلاصي قد تم “مرة واحدة” (عب 9: 26) بموت ابنه يسوع المسيح الفدائي.

572- الكنيسة تظل امينة “لتفسير الاسفار المقدسة جميعا” الذي أعطاه يسوع نفسه قبل فصحه وبعده: “اما كان ينبغي للماسيا ان يكابد هذه الالام، ويدخل إلى مجده؟”. (لو 24: 26). وقد اتخذت الام يسوع صورتها التاريخية الواقعية بمجرد ما “انتبذه الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة” (مر 8: 31) الذين “دفعوه إلى الامم ليسخروا به ويجلدوه ويصلبوه” (متى 20: 19).

573- فبامكان الايمان ان يحاول تقصي أحوال موت يسوع التي نقلتها الاناجيل بأمانه وأوضحتها مصادر تاريخية اخرى، لتفهم معنى الفداء تفهما اوفى.

الفقرة 1- يسوع واسرائيل

574- منذ بدء رسالة يسوع العلنية اتفق على قتله فريسيون وهيرودسيون مع كهنة وكتبة. فقد بدا يسوع للبعض، من جراء بعض أعماله (طرد الشياطين، غفران الخطايا، ابراءات يوم السبت، تفسير غريب لاحكام التطهير في الناموس، مؤالفة العشارين والخطأة)، بدا لهم في سوء قصدهم ان به شيطانا. وهم يتهمونه بالتجديف، وبكذب النبوة، وهما جريمتان دينيتان يعاقب عليهما الناموس بعقوبه الموت رجما.

575- كثير من أعمال يسوع وأقواله كان “هدفا للمخالفة” عند السلطات الدينية في اورشليم، تلك التي كثيرا ما يطلق عليها انجيل يوحنا اسم “اليهود”، اكثر مما كانت كذلك عند عامة شعب الله. والحق يقال ان علاقاته مع الفريسيين لم تكن جدلية فقط. فالفريسييون هم الذين ينبهونه إلى الخطر الذي يتعرض له. ويسوع يمتدح بعضهم من أمثال الكاتب في مر 12: 34، ويأكل عند الفريسيين عدة مرات. ويسوع يثبت عقائد تشترك في الاخذ بها هذه النخبة الدينية من شعب الله: بعث الاموات، صور اعمال التقوى (صدقة، صوم، صلاة)، وعادة مخاطبة الله كأب، وهي الميزة الرئيسية لوصية محبة الله والقريب.

576- في نظر الكثيرين في اسرائيل يبدو يسوع مخالفا لنظم الشعب المختار الجوهرية:
– الخضوع للناموس في الكامل أحكامه المكتوبه، وفي نظر الفريسيين في تفسير التقليد الشفهي؛
– الطابع المركزي لهيكل اورشليم على انه المكان المقدس الذي يسكن فيه الله على وجه التفضيل؛
– الايمان بالله الواحد الذي لا يمكن أي انسان ان يشاركه في مجده.

1. يسوع والناموس

577- لقد حذر يسوع تحذيرا علينا في بدء خطبته على الجبل، حيث عرض للناموس، الذي أعطاه الله على جبل سيناء في العهد الاول، على ضوء نعمة العهد الجديد:

“لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء؛ اني ما جئت لانقض بل لاكمل. الحق اقول لكم انه إلى ان تزول السماء والارض لا يزول من الناموس ياء او نقطة واحدة حتى يتم الكل. واذن فكل من يتعدى واحدة من هذه الوصايا – حتى من اصغرها- ويعلم الناس ان يفعلوا هكذا، فانه يدعى الاصغر في ملكوت السماوات؛ واما من يعمل بها ويعلم، فهذا يدعى عظيما في ملكوت السماوات” (متى 5: 17-19).

578- يسوع، ماسيا اسرائيل، الاعظم في ملكوت السماوات، كان يرى من واجبه ان يتم الناموس- على حد قوله- عاملا به كاملا حتى في ادق احكامه. وهو وحده استطاع ان يقوم بذلك قياما كاملا. واما اليهود فقد اقروا هم انفسهم انهم لم يستطيعوا قط اتمام الناموس بكامله من دون ان يخالفوا شيئا من احكامه. ولهذا كان ابناء اسرائيل، في عيد التكفير من كل سنة، يطلبون إلى الله غفران مخالفتهم للناموس. وهكذا فالناموس كل، وكما قال القديس يعقوب مذكرا “ان من حفظ الناموس كله وزل في وصية واحدة فقط صار مجرما في الكل” (يع 2: 10) .

579- كان عزيزا لدى الفريسيين مبدأ حفظ الناموس كاملا، لا في حرفيته وحسب، بل في روحه. ويشرحهم هذا الامر لاسرائيل قادوا الكثيرين من اليهود، لعهد يسوع، إلى غيرة دينية عارمة. واذ لم يشأ يسوع ان يكتفي بفتوى قائمة على “الرثاء”، فقد عمد إلى اعداد الشعب لهذا التدخل الرائع من الله، القائم بحفظ الناموس حفظا كاملا، يقوم به الصالح الواحد عن جميع الخطأة.

580- ان الاتمام الكامل للناموس لم يكن باستطاعة احد غير المشترع الالهي الذي ولد خاضعا للناموس في شخص الابن. مع يسوع لا يظهر الناموس محفورا على لوحين من حجر، ولكن “في اعماق قلب” (ار 31: 33) “الخادم” الذي، اذ “يصدر الحكم بحسب الحق” (أش 42: 3)، اصبح “عهدا للشعب” (أش 42: 6). لقد اتم يسوع الناموس إلى حد انه حمل”لعنة الناموس”، التي لحقت بالذين “لم يعملوا بجميع احكام الناموس”، اذ “ان موت المسيح جرى لفداء المعاصي المقترفة في العهد الاول” (عب 9: 15).

581- يسوع يظهر لنظر اليهود ورؤسائهم الروحين “معلما” (رابي). وكثيرا ما جادل في اطار التفسير الرابيني للناموس. ولكن في الوقت نفسه لم يكن ليسوع الا ان يصدم علماء الناموس، اذ انه لم يكتف بعرض تفسيره في ما بين تفسيراتهم، “كان يعلم كمن له سلطان لا ككتبتهم” (متى 7: 29). فيه كانت تدوي كلمه الله نفسها التي دوت على جبل سيناء لتعطي موسى الشريعة المكتوبة، والتي تسمع ايضا على جبل التطويبات. انها لا تنقض الناموس ولكنها تكلمه مقدمة بطريقة الهية تفسيرها النهائي: “سمعتم انه قيل للاقدمين(…) اما انا فأقول لكم” (متى 5: 33-34). وبهذه السلطة الالهية يشجب بعض “التقاليد البشرية” عند الفريسيين التي “تبطل كلام الله”.

582- وذهب يسوع إلى ابعد من ذلك وكمل الناموس في شأن طهارة الاطعمة، المهمة جدا في الحياة اليهودية اليومية، كاشفا عن معناه “التأديبي” بتفسير الهي: “كل ما يدخل الانسان من الخارج لا يقدر ان ينجسه (…)- هكذا اعلن ان جميع الاطعمة طاهرة. ما يخرج من الانسان هو الذي ينجس الانسان، لانها من الداخل، من قلوب الناس، تنبعث الافكار الرديئة” (مر 7: 18-21). وقد لقي يسوع، لتفسيره الناموس تفسيرا نهائيا بسلطان الهي، مقاومة من بعض علماء الناموس الذين لم يتقبلوا تفسيره للناموس مع ما كان يصحبه من الايات الالهية المؤيدة. وهذا في ما يتعلق بموضوع السبت على وجه خاص: كثيرا ما ذكر يسوع بحجج “رابينية” ان استراحة السبت لا تفسدها خدمة الله، او القريب بشفاء المرضى.

2. يسوع والهيكل

583- يسوع، كغيره من الانبياء الذين سبقوه، اظهر لهيكل اورشليم اعمق الاحترام. فقد قدمه اليه يوسف ومريم اربعين يوما بعد ولادته. في سن الثانية عشرة يقرر البقاء في الهيكل ليذكر ابويه ان عليه ان يكون لامور ابيه. وقد صعد الى الهيكل كل سنة لعيد الفصح على الاقل، ابان حياته الخفية؛ رسالته العلنية نفسها كانت متناغمة مع مواسم حجة الى اورشليم بداعي الاعياد اليهودية الكبرى.

584- صعد يسوع الى الهيكل على انه المكان المفضل للقاء الله. الهيكل بالنسبة اليه هو مسكن ابيه، هو بيت صلاة، ويسوع يسخط لان ساحته الخارجية اصبحت مكان تجارة. ولئن طرد الباعة من الهيكل فذلك حبا غيورا لابيه: “لا تجعلوا بيت ابي بيت تجارة. فذكر تلاميذه انه مكتوب “غيرة بيتك تأكلني” (مز 69: 10)” (يو 2: 16-17). وبعد قيامته حفظ الرسل للهيكل احتراما ورعا.

585- ومع ذلك فيسوع قبيل الامه أنبا بدمار هذا البناء الرائع الذي لن يبقى منه حجر على حجر . وهنا انباء باحدى علامات الازمنة الاخيرة التي ستفتتح مع فصحه الشخصي. ولكن هذه النبوة قد تكون نقلت بطريقة مشوهه على السنة شهود كذبة لدى استضافة بحضرة رئيس الكهنة، وردت اليه شتيمة عندما كان مسمرا على الصليب.

586- ولبعد ما كان يسوع معاديا للهيكل الذي القى فيه الجوهري من تعليمه، وقد اراد ان يؤدي ضريبة الهيكل مشركا معه بطرس الذي كان منذ قليل قد جعله اساسا لكنيسته الاتية. والى ذلك فقد وحد ما بين نفسه والهيكل عندما عرف بنفسه مسكنا نهائيا لله بين البشر. ولهذا فقتله جسديا ينبىء بدمار الهيكل الذي سيظهر الدخول في عهد جديد من عهود تاريخ الخلاص: “انها تأتي الساعة التي تعبدون فيها الاب لا في هذا الجبل ولا في اورشليم” (يو 4: 21). 

3. يسوع وايمان اسرائيل بالله الواحد والمخلص:

587- اذا كان الناموس وهيكل اورشليم من قبل يسوع سبب “مخالفه” لسلطات اسرائيل الدينية، فان دورة في فداء الخطايا، ذلك العمل الالهي بنوع خاص، هو الذي كان في نظر تلك السلطات حجر العثرة.

588- يسوع شكك الفريسيين بمؤاكلة العشارين والخطأة بنفس الالفة التي كانت له معهم هم انفسهم. وقد ندد بالذين كانوا منهم “يثقون من انفسهم بأنهم صديقون ويحتقرون الاخرين” (لو 18: 9). واكد قائلا: “اني لم ات لادعو الصديقين الى التوبة بل الخطأة” (لو 5: 32). وهو يذهب الى ابعد من ذلك عندما يعلن في وجه الفريسيين ان الخطيئة شاملة، والذين يدعون انهم ليسوا بحاجة الى خلاص هم عميان بالنسبة الى ذواتهم.

589- يسوع شكك الفريسيين بنوع خاص لانه وحد ما بين معاملته الرحيمة للخطأة وموقف الله نفسه منهم. وقد ذهب الى حد التلميح بأنه، بمشاركة للخطأة في المائدة، يقبلهم في الوليمة المسيانية. ولكن يسوع، بغفرانه الخطايا، على وجه اخص، جعل السلطات اسرائيل الدينية امام قياس محرج. الا يكون قولها محقا عندما تقول في هلع: “الله وحده يقدر ان يغفر الخطايا” (مر 2: 7)؟ فيسوع، بغفرانه الخطايا، اما انه يجدف لانه انسان يساوي نفسه بالله، واما انه ينطق بالحق وفي شخصه اعلان لاسم الله وتعريف به.

590- ان هوية شخص يسوع الالهية تستطيع وحدها ان تبرر تشددا مطلقا كهذا “من ليس معي فهو علي” (متى 12: 30)؛ وكذلك عندما يقول ان فيه “أعظم من يونان (…)، اعظم من سلمان” (متى 12: 41-42)، “أعظم من الهيكل” (متى 12: 6)؛ وعندما يذكر بالنسبة اليه ان داود الماسيا ربه، وعندما يعلن: “قبل ان يكون ابراهيم انا كائن” (يو 8: 58)؛ وحتى:” انا والاب واحد” (يو 10: 30).

591- يسوع طلب من سلطات اورشليم الدينية ان تؤمن به سبب اعمال ابيه التي يعملها. ولكن كان لا بد لفعل ايمان كهذا من ان يمر بموت للذات عجيب، من اجل ولادة من فوق جديدة بجاذب من النعمة الالهية. وان تشددا كهذا في التحول المسلكي، في وجه اتمام مذهل للمواعيد، يتيح فهم الخطأ المأسوي لمحفل اليهود الذي راى ان يسوع يستحق الموت كمجذف. وقد ذهب اعضاؤه المذهب عن جهل وعن تصلب قلب عدم الايمان.

بايجاز

592- يسوع لم ينقص ناموس سيناء، ولكنه اتمه على وجه كامل الى حد انه يكشف عن معناه الاسمى ويفدي التجاوزات التي تخالفه.

593- يسوع وقر الهيكل عندما صعد اليه حاجا في اعياد اليهود، واحب حبا غيورا مسكن الله هذا بين البشر. الهيكل صوره سره المسبقة. ولئن انبأ بدماره فما ذلك الا اظهار لمقتله الخاص وللدخول في عهد جديد من تاريخ الخلاص يكون فيه جسده الهيكل النهائي.

594- يسوع قام بأعمال، من مثل غفران الخطايا، اظهرت انه الاله المخلص ذاته
وبعض اليهود، ممن لم يعترفوا بالاله المتجسد ، كانوا يرون فيه انسانا يجعل نفسه الها، وقد حكموا عليه بأنه مجدف.

الفقرة 2- يسوع مات مصلوبا

1. محاكمه يسوع

انقسام السلطات اليهوديه في شأن يسوع

595- بين سلطات أورشليم الدينيه لم يوجد فقط الفريسي نيقوديمس أو الوجيه يوسف الرامي على أنها تلميذان ليسوع في الخلفاء، بل وقع، لمدة طويله، شقاقات في شأن يسوع بحيث ان القديس يوحنا يستطيع القول عنهم، عشيه الام يسوع نفسها، ان “كثيرين امنوا به” وان بطريقه بعيده جدا عن الكمال (يو 42:12). وليس في الامر عجب اذا تبين لنا أنه، في غد العنصرة، “جمهور من الكهنه يطيعون الايمان” (أع 7:6)، و “قوم من مذهب الفريسيين امنوا” (أع 5:15)، الى حد أن القديس يعقوب يستطيع القول مع القديس بولس ان “ربوات من اليهود قد امنوا، وكلهم دوو غيرة على الناموس” (أع 20:21).

596- لم تكن سلطات أورشليم الدينيه على كلمه واحده في الموقف الذي عليها أن تقفه من يسوع. والفريسيون هددوا من يتبعه باخراجه من المجمع. وللذين كانوا يخشون أن “يؤمن به الجميع فيوافي الرومانيون ويدمرون مقدسنا وأمتنا” (يو 48:11)، عرض قيافا رئيس الكهنة متنبأ: “ان مصلحتكم تقضي بأن يموت رجل واحد عن الشعب ولا تهلك الامه بأجمعها” (يو 50:11). وبعدما أعلن المحفل أن يسوع “يستوجب الموت” على أنه مجدف، ورأى أن ليس له حق القتل، أسلم يسوع الى الرومانيين متهما له باثارة الفتنه السياسية، بحيث أصبح مساويا لبرأباس المتهم “بالفتنة” (لو 19:23). وقد عمد رؤساء الكهنة الى تهديدات سياسية وجهوها الى بيلاطس لكي يحكم على يسوع بالموت.

ليس اليهود مسؤولين جماعيا عن موت يسوع

597- بالنظر الى التعقد التاريخي في محاكمه يسوع كما ظهر في النصوص الانجيليه، وأيا كانت الخطيئة الشخصية لابطال الدعوى (يهوذا، المحفل، بيلاطس) التي لا يعرفها الا الله، لا تجوز نسبتها الى مسؤولية جماعية عند يهود أورشليم، مع ما رافقها من صياح شعب مهيج، ومع الملامات الجماعية التي تضمنتها الدعوات الى الهدى بعد العنصرة. فيسوع نفسه عندما غفر على الصليب، وبطرس بعده فسحا في المحل لـ “جهل” يهود أورشليم ولرؤسائهم أيضا. وبأولى حجة لا يمكن الانطلاق من صياح الشعب: “ليكن دمه علينا وعلى أبنائنا” (متى 45:27)، الذي هو صيغه تأييد وموافقه، لمد المسؤولية الى سائر اليهود في المكان والزمان.

والكنيسه قد أعلنت في المجمع الفاتيكاني الثاني: “ان ما اقترفه الايدي ابان الالام لا يمكن اسنادة، في غير تمييز، الى جميع اليهود الذين عاشوا انذاك، ولا الى اليهود العائشين في عصرنا. (…) لا يجوز أن يشهر باليهود على أنهم منبوذون من الله وأنهم ملعونون كما لو كان ذلك يستنتج من الكتاب المقدس”.

جميع الخطأة سببوا الام المسيح

598- الكنيسه، في تعليم عقيدتها وفي شهادة قديسيها، لم تنس قط أن “الخطأة أنفسهم كانوا الاسباب والوسائل في كل ما عاناه الفادي الالهي من مشاق”. فانظلاقا من أن خطايانا تنال المسيح نفسه، لا تتردد الكنيسه في أن تعزو الى المسيحيين المسؤوليه الاشد خطورة في عذاب يسوع، المسؤولية التي طالما أثقلوا بها كاهل اليهود وحدهم:

“ينبغي أن نعد مسؤولين عن هذه الجريمه الفظيعه أولئك الذين لا يزالون يسقطون في خطاياهم. وبما أن اثامنا هي التي أدت بسيدنا يسوع المسيح الى عذاب الصليب، فمن الثابت أن أولئك الذين ينغمسون في الفساد وفي الشر “يعيدون بأنفسهم صلب ابن الله ويشهرونه” (عب 6:6). ويجب الاقرار بأن جريمتنا في هذه الحال أعظم من جريمه اليهود. فهم، على حد شهادة الرسول، “لو عرفوا ملك المجد لما صلبوة قط” (1 كو 8:2). أما نحن فاننا نعلن أننا نعرفه. وعندما ننكره بأعمالنا نلقي عليه، على وجه ما، أيدينا القاتله”.
“والا … ليسوا هم الذين صلبوه؛ بل أنت بالاشتراك معهم صلبته وتصلبه أيضا بتمتعك بالرذائل والاثام”.

2. موت المسيح الفدائي في تصميم الخلاص الالهي

“يسوع الذي أسلم بحسب تصميم الله المحدد”

599- موت يسوع العنيف لم يكن نتيجه الصدفه في اتفاق سيىء للاحوال. انه في سر تصميم الله، كما يفسره القديس بطرس لليهود في خطابه الاول يوم العنصرة: “لقد أسلم بحسب تصميم الله المحدد وسابق علمه” (أع 23:2). فهذا الكلام الكتابي لا يعني أن الذين “أسلموا يسوع” لم يكونوا الا منفذين صاغرين لمخطط سابق خطة الله.

600- عند الله جميع أحيان الزمن حاضرة في حاليتها. فهو يضع تصميم “قضائه الابدي” ويضمنه لكل انسان جوابه الحر عن نعمته: “انه قد اجتمع بالحقيقه، في هذه المدينه، على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته، هيرودس وبنطيوس بيلاطس مع الامم وشعوب اسرائيل ليضعوا ما حددت من قبل يدك ومشورتك أن يكون” (أع (27:4-28). لقد سمح الله بأعمال عماهم ليتمم تصميمه الخلاصي.

“مات من أجل خطايانا على ما في الكتب”

601- هذا التصميم الالهي للخلاص بقتل “العبد”، الصديق” أنبأ به في السابق الكتاب المقدس على أنه سر فداء شامل، أي سر افتداء يحرر البشر من عبوديه الخطيئه. فالقديس بولس يعلن، في اعتراف ايماني يقول انه “تسلمه” أن “المسيح مات من أجل خطايانا على ما في الكتب” (1 كو 3:15). فموت يسوع الفدائي يتمم بنوع خاص نبوءة العبد المتألم. ويسوع نفسه عرض معنى حياته وموته على ضوء العبد المتألم. وبعد قيامته أعطى تلميذي عماوس هذا التفسير للكتب، ثم أعطاه للرسل أنفسهم.

“الله جعله خطيئه من أجلنا”

602- فالقديس بطرس يستطيع من ثم أن يصوغ هكذا الايمان الرسولي في التصميم الالهي للخلاص: “حررتم من تصرفكم الباطل الموروث من ابائكم، بدم كريم، دم المسيح، ذلك الحمل الذي لا عيب فيه ولا دنس، المعين من قبل انشاء العالم، والمعلن في اخر الازمان من أجلكم” (1 بط 1: 18-20). فخطايا البشر التي تلت الخطيئه الاصليه قد عوقبت بالموت. وعندما أرسل الله ابنه الخاص في صورة عبد، صورة بشريه ساقطه ومحكوم عليها بالموت بسبب الخطيئه، “جعله خطيئه من أجلنا، هو الذي لم يعرف الخطيئه، لكي نصير نحن به بر الله” (2 كو 21:5).

603- يسوع لم يشجب كما لو انه ارتكب هو نفسه خطيئه؛ ولكن، في المحبه الفدائيه التي كانت أبدا توحده مع الاب، اتخذنا، في ضياع خطيئتنا بالنسبه الى الله، الى حد أنه استطاع أن يقول باسمنا على الصليب: “الهي، الهي، لماذا تركتني؟!” (مر 34:15). واذ قد جعله الله هكذا مسؤولا عنا نحن الخطأة، “لم يشفق على ابنه الخاص، بل أسلمه عنا جميعا” (رو 32:8) لكي نكون “مصالحين معه بموت ابنه” (رو 10:5).

لله مبادرة المحبه الفاديه الشامله

604- عندما يسلم الله ابنه من أجل خطايانا يظهر أن تصميمه في شأننا تصميم محبه عطوف يسبق كل استحقاق نستحقه: “على هذا تقوم المحبه، لا انا نحن أحببنا الله، بل هو نفسه أحبنا وأرسل ابنه كفارة عن خطايانا” (1 يو 10:4). “والله قد برهن على محبه لنا بأن المسيح قد مات عنا ونحن بعد خطأة” (رو 8:5).

605- وهذه المحبه بغير استثناء، وقد ذكر يسوع بذلك في ختام مثل النعجه الضائعه: “هكذا لا يريد أبوكم الذي في السماوات أن يهلك أحد من هؤلاء الصغار” (متى 14:18). فهو يثبت أنه “يبذل نفسه فديه عن الكثيرين” (متى 28:20)؛ وليس في هذه اللفظه الاخيرة استثناء: انها تقارن مجموعه البشر بشخص الفادي الوحيد الذي يبذل نفسه لتخليصها . والكنيسه، بعد الرسل، تعلم أن المسيح مات من أجل جميع البشر في غير استثناء. “لا يوجد، ولم يوجد، ولن يوجد انسان لم يتألم المسيح من أجله”.

3. المسيح قدم ذاته لابيه من أجل خطايانا

كل حياه المسيح تقدمه للاب

606- ابن الله، الذي نزل من السماء لا ليعمل مشيئته بل مشيئه الاب الذي أرسله ، “يقول عند دخوله العالم: (…) ها أناذا اتي (…) لاعمل يا الله بمشيئتك، (…) وبقوة هذه المشيئه قدسنا نحن بتقدمه جسد المسيح مرة لا غير” (عب 10: 5-10). منذ لحظة التجسد الاولى اعتنق الابن تصميم الخلاص الالهي في رسالته الفدائيه: “انما طعامي أن أعمل مشيئه الذي أرسلني وأتمم عمله” (يو 34:4). ان ذبيحه يسوع “عن خطايا العالم كله” (1 يو 2:2) هي عبارة عن شركة محبته مع الاب: “أبي يحبني لاني أبذل حياتي” (يو 17:10). “ينبغي أن يعرف العالم أني أحب الاب وأني أعمل بما أوصاني الاب” (يو 31:14).

607- رغبه يسوع هذه في اعتناق تصميم أبيه في المحبه الفدائيه تنعش حياته كلها، اذ ان الامه الفدائيه هي سبب تجسده: “يا أبتاه، أنقذني من هذه الساعه! ولكن لاجل هذه الساعه قد جئت” (يو 27:12). “الكأس التي أعطاني الاب أفلا أشربها؟” (يو 11:18). ثم على الصليب قبل أن “يتم كل شيء” (يو 30:19) قال: “أنا عطشان” (يو 28:19).

“حمل الله الذي يرفع خطيئه العالم”

608- بعدما قبل يوحنا المعمدان أن يعمد يسوع فيمن تعمد من الخطأة ، رأى فيه وكشف حمل الله الذي يرفع خطايا العالم . فهو يظهر هكذا أن يسوع هو في الوقت نفسه العبد المتألم الذي يساق صامتا الى الذبح ، ويحمل خطيئه الكثيرين ، والحمل الفصحي رمز افتداء اسرائيل في الفصح الاول . فكل حياة المسيح تعبر عن 517 رسالته: أن يخدم ويبذل نفسه فداء عن الكثيرين .

يسوع يعتنق باختيارة محبه الاب الفدائيه

609- عندما اعتنق يسوع في قلبه البشري محبه الاب للبشر “أحبهم الى الغايه” (يو 478 1:13)، اذ ليس لاحد حب أعظم من أن يبذل الحياة عن أصدقائه” (يو 13:15).
وهكذا أصبح ناسوته، في الالم والموت، الاداة الحرة والكامله لحبه الالهي الذي يريد 515 خلاص البشر . فقد قبل باختيارة الامه وموته حبا لابيه وللبشر الذي يريد أبوة أن يخلصهم: “لا أحد ينتزع الحياة مني، وانما أنا أبذلها باختياري” (يو 18:10). من هنا حريه ابن الله الكامله عندما يمضي هو بنفسه الى الموت.

في العشاء السري استبق تقدمه حياته الحرة

610- لقد عبر يسوع بطريقه ساميه عن تقدمه ذاته الاختياريه في العشاء الذي تناوله مع رسله الاثني عشر ، في “الليله التي أسلم فيها” (1 كو 23:11). ففي عشيه الامه، وكان بعد حرا، جعل هذا العشاء الاخير مع رسله ذكرى تقدمته الاختياريه للاب من أجل خلاص البشر: “هذا هو جسدي الذي يبذل لاجلكم” (لو 19:22). “هذا هو دمي، دم العهد الجديد، الذي يهراق عن الكثيرين لمغفرة الخطايا” (متى 28:26).

611- الافخارستيا التي ينشئها اذ ذاك ستكون “ذكرى” ذبيحته. ويسوع يدخل رسله في تقدمته الخاصه ويسألهم أن يواصلوها بغير انقطاع . وبهذا يجعل يسوع رسله كهنه العهد الجديد: “أنا أقدس ذاتي لاجلهم، لكي يكونوا، هم أيضا، مقدسين بالحق” (يو 19:17) .

النزاع في جتسماني

612- كأس العهد الجديد التي استبقها يسوع في العشاء السري اذ قدم ذاته ، يقبلها بعد ذلك من يد أبيه في نزاعه بجتسماني حيث جعل نفسه “مطيعا حتى الموت” (في 8:2) . ويسوع يصلي: “يا أبتاة، ان أمكن فلتجز عني هذه الكأس” (متى 39:26). فهو يعبر عن الهول الذي يمثله الموت بالنسبة الى طبيعته البشرية. وهذه الطبيعة معده كطبيعتنا للحياة الابديه؛ وهي الى ذلك، بخلاف طبيعتنا، بريئه تماما من الخطيئة التي تسبب الموت ؛ وهي خصوصا قد اتخذها شخص “أمير الحياة” الالهي، “الحي”. وهو بقبوله، في ارادته البشريه، أن يتم مشيئة الاب، يقبل موته على أنه فدائي لكي “يحمل هو نفسه خطايانا في جسدة على الخشبة” (1 بط 24:2).

موت المسيح هو الذبيحة الوحيدة والنهائية

613- موت المسيح هو في الوقت نفسه الذبيحه الفصحية التي تتم فداء البشر النهائي بالحمل الذي يرفع خطيئة العالم ، وذبيحة العهد الجديد التي تعيد الانسان الى الشركه مع الله مجريه المصالحة بينهما بالدم الذي يهراق عن الكثيرين لمغفرة الخطايا .

614- ذبيحه المسيح هذه وحيده، وهي تتم جميع الذبائح وتفوقها . انها أولا هبة من الله الاب نفسه: الاب هو الذي يسلم ابنه لكي يصالنا معه . وهي في الوقت نفسه تقدمه ابن الله المتأنس الذي يقدم حياته ، بحريه ومحبه ، لابيه بالروح القدس ، للتفكير عن عصياننا.

يسوع أحل طاعته محل عصياننا

615- “كما جعل الكثيرون خطأه بمعصية انسان واحد، كذلك بطاعة واحد يجعل الكثيرون أبرارا” (رو 19:5). فيسوع بطاعته حتى الموت أقام الخادم المتألم بديلا، ذاك الذي يقدم حياته ذبيحة تكفير، اذ كان يحمل خطايا كثيرين ويبررهم بحمله اثامهم . فيسوع كفر عن اثامنا ونال صفح الاب عن خطايانا .

يسوع يتم ذبيحة على الصليب

616- المحبة الى الغاية هي التي تجعل لذبيحة المسيح قيمتها الفدائية والتعويضية، والتفكيرية والتوفيقية. انه قد عرفنا وأحبنا في تقدمه حياته . “محبة المسيح تحثنا، اذ نعتبر أنه، اذا كان واحد قد مات عن الجميع فالجميع أيضا قد ماتوا معه” (2 كو 14:5). ما من انسان، وان كان أقدس القديسين، كان بامكانة أن يحمل خطايا جميع البشر، وأن يقدم نفسه ذبيحة عن الجميع. فوجود شخص الابن الالهي في المسيح، ذلك الشخص الذي يفوق البشر وفي الوقت نفسه يشمل جميع أشخاص البشر، والذي يقيمه رأسا للبشريه كلها جمعاء، هو الذي يجعل ذبيحته الفدائية عن الجميع ممكنة.

617- والمجمع التريدنتيني يعلم: “انة بالامه المقدسة، على خشبه الصليب، استحق لنا التبرير . وقد أبرز الطابع الفريد لذبيحة المسيح على أنها “عله خلاص أبدي” . والكنيسة توقر الصليب مرنمة: “السلام عليك! أيها الصليب، يا رجاءنا الوحيد!” .

اشتراكنا في ذبيحة المسيح

618- الصليب هو الذبيحة الوحيدة للمسيح الوسيط الوحيد بين الله والبشر . ولكنه اذ كان في شخصه الالهي المتأنس، “قد اتحد هو نفسه، على وجه ما، بكل انسان” ، فهو “يقدم لجميع البشر، على وجه يعرفه الله، […] امكان اشتراكهم في السر الفصحي” . انه يدعو تلاميذه الى أن يحملوا صليبهم ويتبعوه ، اذ انه تألم لاجلنا، وأبقى لنا قدوة لنقتفي اثارة . فهو يريد أن يشرك في ذبيحته الفدائية أولئك الذين كانوا فيها أول المستفيدين . وهذا يتم على وجه كامل في شخص أمه التي أشركت في سر عذابه الفدائي اشراكا حميما دونه اشراك أي انسان من البشر :

“هذه سلم الفردوس الوحيدة والحقيقية
وما من سلم للصعود الى السماء غير الصليب” .

بايجاز

619- “المسيح مات من أجل خطايانا على ما في الكتب” (1 كو 3:15).

620- خلاصنا ثمرة مبادرة محبة الله لنا، اذ “انة هو أحبنا وأرسل ابنة كفارة عن خطايانا” (1 يو 10:4). “الله هو الذي، في المسيح، صالح العالم مع نفسه” (2 كو 19:5).

621- يسوع قدم باختياره نفسه لاجل خلاصنا، هذه التقدمة عبر عنها وحققها مسبقا في العشاء الاخير: “هذا هو جسدي الذي يبذل لاجلكم” (لو 19:22).

622- بهذا يقوم فداء المسيح: “أتى ليبذل نفسه فديه عن كثيرين” (متى 28:20)، أي “ليحب خاصته الى الغاية” (يو 1:13)، لكي يحرروا من تصرفهم الباطل الموروث من ابائهم.

623- ان يسوع، بطاعته المحبة لابيه “حتى موت […] الصليب” (في 8:2) أتم الرسالة التفكيرية رسالة العبد المتألم الذي يبرر كثيرين وهو يحمل اثامهم .

الفقرة 3 – يسوع المسيح دفن

624- قاسى “الموت” حتى يكون الموت الذي قاساه مفيدا “لكل احد بنعمة الله ” (عب 2:9). ان الله في تصميمه الخلاصي أقر لا ان يموت ابنه ” من اجل خطايانا ” (1 كو 15:3) وحسب، بل ان “يقاسي الموت” ايضا، أي ان يعاني حال الموت حال الانفصال بين نفسه وجسده في المدة الممتدة ما بين موته على الصليب وقيامته .
هذه الحالة للمسيح المائت هي سر القبر والانحدار الى الجحيم . انها سر السبت المقدس الذي جعل فيه المسيح في القبر واظهر راحة الله السبتية العظمى بعد اتمام خلاص البشر الذي يجعل الكون كله في سلام.

المسيح في القبر بجسده

625- اقامة يسوع في القبر هي الرابط الحقيقي بين حالة آلام المسيح قبل الفصح وحالته الحالية في قيامته المجيدة . انه شخص “الحي” نفسه الذي يستطيع ان يقول ” لقد كنت ميتا وهاءنذا حي الى دهر الدهور ( رؤ 1:18):
“هذا هو سر تدبير الله بشأن موت “ابنه” وقيامته من بين الاموات فانه لم يمنع الموت من ان يفصل النفس عن الجسد على حسب نظام الطبيعة القائم ولكنه عاد فجمعها الواحد مع الاخر بالقيامة حتى يكون هو نفسه في شخصية مركز تلاقي الموت والحياة موقفا فيه انحلال الطبيعة الذي سببه الموت وصائرا هو نفسه مبدأ اتحاد الأجزاء المنفصلة “

626- بما ان ” مبدأ الحياة” الذي قتلوه هو ” الحي الذي قام” نفسه وجب ان يكون شخص ابن الله الالهي قد بقي على اتخاذ نفسه وجسده اللذين فصلهما الموت احدهما عن الاخر:
“اذا فالمسيح وان كان لكونه انسانا قد خضع للموت وانفصلت نفسه المقدسة عن جسده الاطهر غير ان لاهوته لم ينفصل البتة عن أي منهما اعني لا عن نفسه ولا عن جسده . واقنومة الواحد لم ينقسم بذلك الى اقنومين. لأن جسد المسيح ونفسه منذ ابتدائهما قد نالا الوجود في اقنوم الكلمة بالطريقة عينها. وان انفصل احدهما عن الاخر بالموت الا ان كلا منها لبث مع اقنوم الكلمة الواحد الذي به نال الوجود ” .

“لن تدع قدوسك يرى فسادا “

627 – كان موت المسيح حقيقيا اذ وضع حدا لوجوده البشري الارضي. ولكن بسبب الاتحاد الذي حافظ عليه شخص الابن مع جسده لم يصبح جثة ميتة كما يصبح الاخرون اذ “لم يكن في وسع الموت ان يضبطه” (أع 2:24). ومن ثم “فالقوة الالهية حفظت جسد المسيح من الفساد “. فمن الممكن ان نقول عن المسيح انه في الوقت نفسه “انقطع من ارض الأحياء” (اش 53:8) وان “جسدي سيسكن على الرجاء لأنك لن تترك نفسي في الجحيم ولن تدع قدوسك يرى فسادا” (أع 2:26-27) .
وقد كانت قيامة يسوع “في اليوم الثالث (1 كو 15:4 ؛ لو 24:46) الدليل على ذلك ولأن الفساد ايضا كان من شأنه ان يظهر ابتداء من اليوم الرابع.

” مدفونون مع المسيح …..”

628- العماد الذي كان التغطيس علامته الاصلية والكاملة يعني النزول الفعلي الى القبر للمسيحي الذي يموت للخطيئة مع المسيح في سبيل حياة جديدة: “لقد دفنا معه بالمعمودية للموت حتى انا كما اقيم المسيح من بين الاموات بمجد الآب كذلك نسلك نحن ايضا في جدة الحياة ” (رو 6:4).

بايجاز

629- قاسي يسوع الموت حتى يكون في ذلك فائدة لكل انسان . فان ابن الله المتأنس هو الذي في الحقيقة مات ودفن.

630- في مدة اقامة المسيح في القبر بقي شخصه الالهي ملازما وجسده اللذين فصلهما الموت. ولهذا فجسد المسيح المائت ” لم ير فسادا ” (أع 13:37).

المقال الخامس

“يسوع المسيح انحدر إلى الجحيم، في اليوم الثالث قام من الموتى”

631- “يسوع نزل إلى أسافل الأرض؛ فالذي نزل هو نفسه الذي صعد أيضا” (أف 4، 9- 10). وقانون إيمان الرسل يعترف في مادته إيمانية واحدة بانحدار المسيح إلى الجحيم وقيامته من الموتى في اليوم الثالث، لأنه في فصحه فجر الحياة من أعماق الموت.

“المسيح ابنك، الذي عاد فصعد من الجحيم، نشر على الجنس البشري ضياءه الصافي. وهو يحيا ويملك إلى دهر. آمين.”

الفقرة 1

المسيح انحدر إلى الجحيم

632- إثباتات العهد الجديد الكثيرة التي أوردت أن يسوع “قام من الموتى(“1 كو 15، 20)، تعنى أن يسوع، قبل القيامة، أقام في مقر الأموات هذا هو المعنى الأول الذي أعطته الك ارزة الرسولية لانحدار يسوع إلى الجحيم: يسوع عرف الموت كسائر البشر والتحق بهم بنفسه في مقر الأموات. إلا أنه انحدر مخلصا، معلنا البشرى للنفوس التي كانت محتجزة فيه.

633- مقر الأموات الذي انحدر إليه المسيح يدعوه الكتاب المقدس بالجحيم “الشيول أو الهداس “لأن الموجودين فيه محرومون من رؤية الله تلك حال جميع الأموات في انتظار الفادي، سواء كانوا أشرار أو أبرار، وهذا لا يعنى أن مصيرهم واحدا، كما يبين ذلك يسوع في مثل لعا ازر المسكين الذي استقبل في “أحضان إب ارهيم” “هذه النفوس القديسة التي كانت تنتظر المحرر في أحضان إب ارهيم، هي التي اعتقها يسوع المسيح عندما انحدر إلى الجحيم” لم ينحدر يسوع إلى الجحيم لإنقاذ الهالكين، ولا للقضاء على جهنم الهلاك، بل لإعتاق الأب ارر الذين سبقوا مجيئه.

634- “لقد بشر الأموات أيضا بالإنجيل( “..1 بط 4، 6) الانحدار إلى الجحيم هو ملء إتمام بشرى الخلاص الإنجيلية إنه مرحلة رسالة يسوع المسيحانية الأخيرة، المرحلة المحصورة في الزمن ،ولكن ذات الاتساع غير المحدود في مدلولها الحقيقي لامتداد العمل الفدائي إلى جميع البشر فيكل زمان وفي كل مكان، لأن جميع الذين خلصوا جعلوا مشتركين في الفداء.

635- لقد انحدر إذًا إلى أعماق الموت لكي “يسمع الأموات صوت ابن الله، والذين يسمعون يحيون” (يو 5، 25) فيسوع “مبدىء الحياة” أباد “بالموت من كان له سلطان الموت، أعنى إبليس ،وأعتق “أولئك الذين كانوا، الحياة كلها، خاضعين للعبودية خوفاً من الموت” (عب 2، 14- 15) فالمسيح، وقد قام، أصبح “بيده مفاتيح الموت والجحيم” (رؤ 1، 18) و”لاسم يسوع تجثو كل ركبة مما في السماوات وعلى الأرض وتحت الأرض( “في 2، 10).

“صمت عظيم يخيم اليوم على الأرض، صمت عظيم وعزلة شديدة، صمت عظيم لن الملك ينام لقد تزلزلت الأرض وهدأت لن الله نام في الجسد ومضى يوقظ من كانوا نائمين منذ قرون )…( إنه يمضي في طلب آدم، أبينا الأول ،مثل الخروف الضال. إنه يريد أن يمضي لزيارة جميع الجالسين في الظلمات وظل الموت .يمضي ليحرّر آدم وحواء من أوجاعهما ،آدم في قيوده، وحواء الأسيرة معه )…( “أنا إلهك، وبسببك صرت ابنك ]…[ استيقظ أيها النائم، لأني لم أخلقك لكي تقيم ههنا مكبلا في الجحيم. انهض من بين الأموات، فإني حياة الأموات.”

بإيجاز:

636- بالعبارة “يسوع انحدر إلى الجحيم” قانون الإيمان يعترف أن يسوع مات حقا وانه بموته تغلب على الموت وعلى إبليس “الذي له سلطان الموت” (عب 2، 14).

637- عندما مات المسيح، انحدر، بنفسه المتحدة بالشخص الإلهي، إلى مقر الأموات. وفتح للأبارر الذين سبقوا مجيئه أبواب السماء.

الفقرة 2

في اليوم الثالث قام من الموتى

638- “نحن نبشركم بان الوعد الذي صار لآبائنا قد حققه الله لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع” (رسل 13، 32– 33) قيامه المسيح هي الحقيقة القمة لإيماننا بالمسيح وهي التي اعتقدَ  تْها وعاشتها الجماعة المسيحية الأولى حقيقة رئيسية وتناقلها التقليد على أنها أساسية وأثبتتها وثائق العهد الجديد وكرز بها على أنها مع الصليب جزء جوهري من السر الفصحي: المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور. 

1- الحدث التاريخي والسامي 

639- سر قيامه المسيح حدث حقيقي جرت له ظهورات تاريخية ثابتة يشهد بها العهد الجديد وفي نحو سنه 56 استطاع القديس بولس أن يكتب للكورنثيين “أني سلمت إليكم أولا ما قد تسلمت أنا نفسي أن المسيح قد مات من أجل خطايانا على ما في الكتب وأنه قبر وأنه قام في اليوم الثالث على ما في الكتب وأنه تراءى لكيفا ثم للاثني عشر( “1 كو 15، 3– 4) فالرسول يتكلم هنا على تقليد القيام الحي الذي تعلمه بعد اهتدائه عند أبواب دمشق .

القبر الخالي 

640- لم تطلبن بين الأموات من هو حي؟ إنه ليس ههنا لكنه قد قام (لو 24، 5– 6) في إطار أحداث الفصح الأمر الأول الذي يطالعنا هو القبر الخالي ليس هو في ذاته برهانا مباشرا فمن الممكن تفسير اختفاء جسد المسيح من القبر على نحو آخر ومع ذلك فان القبر كان للجميع علامة جوهرية واكتشاف التلاميذ له كان الخطوة الأولى للوقوف على واقع القيامة تلك حال النساء القديسات أولا ثم حال بطرس التلميذ الذي كان المسيح يحبه (يو 20، 2) يؤكد أنه عندما دخل إلى القبر الخالي وأرى اللفائف مطروحة هناك (يو 20، 6) أرى وآمن وهذا يعنى أنه أرى في خلو القبر أن غياب جسد يسوع لم يكن من الممكن عزوة إلى عمل بشري وان يسوع لم يرجع ببساطة إلى حياة أرضية كما كانت الحال بالنسبة إلى لعازار.

تارئيات القائم من الموت 

641- مريم المجدلية والنساء القديسات اللواتي كن قد انتهين من تحنيط جسد يسوع وكان قد أسرع في دفنه مساء الجمعة المقدسة لحلول السبت كن أول من لقي يسوع القائم من الموت وهكذا كانت النساء أول رسل قيامه المسيح إلى الرسل أنفسهم ثم ت ارءى لهم يسوع لبطرس أولا ثم للاثني عشروآذ كان بطرس مدعوا إلى تثبيت إيمان أخوته فهو يري إذًا القائم من الموت قبلهم وبناء على شهادته تهتف الجماعة: لقد قام الرب حقا وتراءى لسمعان (لو 24، 34).

642- كل ما جري في الأيام الفصحية هذه يلزم كل واحد من الرسل ولا سيما بطرس بإنشاء العهد الجديد الذي بدا صباح الفصح وإذ كانوا شهود قيامته فإنهم يظلون حجارة بناء كنيسته وإيمان جماعة المؤمنين الأولى قائم على شهادة أناس محسوسين يعرفهم المسيحيون وأكثرهم لا ي ازلون يعيشون في ما بينهم شهود قيامه المسيح هؤلاء هم أولا بطرس والاثنا عشر ولكن ليسوا هم وحدهم فبولس يتكلم بوضوح عن أكثر من خمس مئة شخص تراءى لهم يسوع معا فضلا عن يعقوب وسائر الرسل.

643- أمام هذه الشهادات يستحيل تفسير قيامه المسيح خارج النظام الطبيعي وعدم الاعتراف بها على أنها حدث تاريخي وكان من الأحداث أن إيمان التلاميذ أخضع للامتحان الجذري في شأن آلام معلمهم وموته على الصليب الذي كان ذلك المعلم قد سبق وأنبأ به وكانت الهزة التي أحثتها الآلام شديدة إلى حد أن التلاميذ أو بعضا منهم لم يصدقوا حالا خبز القيامة وبعيد عن أن ترينا الأناجيل جماعة تستخفها الحماسة الصوفية ترينا التلاميذ منهاري القوى واجمين (لو 24، 17) وخائفين ولهذا لم يصدقوا كلام النساء القديسات لدي رجوعهن من القبر وبدا لهم كلامهن هذيانا (لو 24، 11) وعندما تراءى يسوع للأحد عشر في مساء الفصح لامهم على عدم إيمانهم وعلي عنادهم في تصديقهم لمن أروه قد قام من الأموات (مر 16، 14)

644- التلاميذ لا يزالون في ريب حتى أمام حقيقة يسوع القائم من الأموات إذ يبدو لهم الأمر هكذا مستحيلا: يظنون أنهم يرون روحا فكانوا بعد غير مصدقين من الفرح ذاهلين (لو 24، 41) وسيعاني توما تج ربة الشك نفسها ولدى الظهور الأخير في الجليل الذي أورده متى ارتاب بعضهم (متى 28، 17) ولهذا فالفرضية التي تقول بأن القيامة قد تكون ثمرة الإيمان أو التصديق عند الرسل هي فرضية واهية فبعكس ذلك قد نجم إيمانهم بالقيامة من اختبارهم المباشر لحقيقة القائم من الموت بدعم من النعمة الإلهية.

حال الناسوت القائم من الموت عند المسيح 

645- يسوع القائم من الموت يقيم مع تلاميذه علاقات مباشرة عن طريق اللمس وتقاسم الطعام بذلك إلى الاعتراف بأنه ليس روحا وينوع أخص إلى التحقق من أن الجسد القائم من الموت والذي يظهر لهم فيه هو هو نفسه الذي استشهد وصلب إذ انه لا يزال يحمل ندوب آلامه إلا أن لهذا الجسد الأصيل والحقيقي أيضا ميزات الجسد الممجد الجديدة لم يعد محصورا في المكان والزمان ولكن بإمكانه أن يكون في أي مكان وأي زمان يشاء إذ أن ناسوته لم يعد مقيدا بالأرض بل أصبح في عهدة الآب الإلهية ولهذا السبب أيضا أصبح يسوع القائم من الموت مطلق الحرية في أن يظهر كما يشاء: في هيئة بستاني أو في هيئات أخرى (مر 16، 12) غير التي كان يألفها وذلك ليستثير إيمانهم .

646- لم تكن قيامه المسيح عودة إلى الحياة الأرضية كما كانت بالنسبة إلى القيامات التي أجراها قبل الفصح، ابنة يائيروس وفتى نائين، ولعازار، كانت هذه الإحداث أموار عجائبية ولكن هؤلاء الأشخاص الذين جرت فيهم المعجزات كانوا يستعيدون بقدرة يسوع حياة أرضية عادية وأنهم سيموتون مجددا في وقت ما أما قيامه المسيح فمختلفة جوهريا فهو في جسده القائم من الموت ينتقل من حال الموت إلى حياة أخرى فوق الزمان والمكان وجسد يسوع في القيامة مملوء من قدرة الروح القدس انه يشترك في الحياة الإلهية في حال مجدة بحيث يستطيع القديس بولس أن يقول عن المسيح إنه الإنسان السماوي. 

القيامة في كونها حدثا ساميا 

647- يا ليلة سعيدة حقا- على حد ما ورد في نشيد الفصح “لتبتهج- Exultet” أنت وحدك استطعت أن تعرفي متى خرج المسيح حيا من مقر الأموات أجل لم يكن أحد شاهد عيان لحادث القيامة نفسه ولا وصفة أحد الإنجيلين لم يتمكن أحد من القول كيف جرى حدثها الطبيعي وفضلا عن ذلك فجوهرة الأخص أي انتقاله إلى حياة أخرى لم يكن في متناول الحواس فالقيامة في كونها حدثا ملموسا بعلامة القبر الخالي وبحقيقة لقاءات الرسل بالمسيح القائم من الموت، هي في قلب سر الإيمان في كونها تسمو على التاريخ وتفوقه ولهذا لم يظهر المسيح القائم من الموت للعالم بل لتلاميذه الذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم الآن شهوده عند الشعب(رسل 13،31)

2- القيامة- عمل الثالوث الأقدس 

648- قيامه المسيح هي حقيقة إيمانية في مونها تدخلا ساميا من الله نفسه في الخلق وفي التاريخ فيها يعمل الأقانيم الثلاثة الإلهية معا كما يظهرون ميزاتهم الخاصة لقد جرت بقدرة الآب الذي أقام (رسل 2، 24) المسيح ابنه وادخل هكذا على وجه كامل ناسوته مع جسده في الثالوث فقد كشف نهائيا عن يسوع على انه المقام بحسب روح القداسة في قدرة ابن الله بقيامته من بين الأموات (رو 1، 4) والقديس بولس يشدد على ظهور قدرة الله في عمل الروح القدس الذي أحيا ناسوت يسوع المائت ودعاة إلى حالة الربوية المجيدة.

649- أما الابن فهو يجرى قيامته الخاصة بقدرته الإلهية فيسوع يعلن أنه ينبغي لابن الإنسان أن يتألم كثيرا ويموت وأن يقوم بعد ذلك بصيغة المعلوم لفعل قام وهو يثبت في موضع أخرمصرحا أبذل حياتي لكي أسترجعها أيضا فلي سلطان أن أسترجعها أيضا (يو 10، 17– 18) نؤمن بأن يسوع قد مات ثم قام (1 تس 4، 14)

650- الآباء يتأملون في القيامة انطلاقا من شخص المسيح الإلهي الذي ظل متحدا بنفسه وجسده اللذين انفصلا أحدهما عن الأخر بالموت بوحدة الطبيعة الإلهية التي تظل ثابتة في كل من قسمَي الإنسان يعود هذان الجزءان إلى الاتّحاد وهكذا فالموت يجري بانفصال المركّب الإنساني والقيامة تجري باتّحاد الجزءين المنفصلين .

3- معنى القيامة ومدلولها الخلاصي 

651- إن كان المسيح لم يقم فكرازتنا إذًا باطلة وإيمانكم أيضا باطلا( 1 كو 15: 14) فالقيامة هي من قبل كل شيء إثبات لكل ما عمل المسيح نفسه وعلم وجميع الحقائق حتى الأشد امتناعا منها على إدراك العقل البشري تجد تبريرها إذا كان المسيح قدم بقيامته البرهان النهائي الذي وعد به على سلطته الإلهية.

652- قيامه المسيح هي إتمام لمواعيد العهد القديم ولمواعيد يسوع نفسه إبان حياته الأرضية والتعبير على ما في الكتب يدل على أن قيامه المسيح تحقيق لهذه النبوءات .

653- حقيقة ألوهة يسوع تثبتها القيامة لقد قال إذا ما رفعتم ابن البشر فعندئذ تعرفون أني أنا هو(يو 8، 28) فقيامه المصلوب برهنت على انه هو في الحقيقة الكائن ابن الله والله نفسه وقد استطاع القديس بولس أن يعلن لليهود ونحن نبشركم بأن الوعد الذي صار لآبائنا قد حققه الله لنا إذ أقام يسوع على ما هو مكتوب في المزمور الثاني: أنت ابني وأنا اليوم ولدتك (رسل 13، 32– 33) وقيامة المسيح شديدة الارتباط بسر تجسد ابن الله أنها تحقيق بحسب قصد الله الأزلي .

654- هنالك وجهان للسر الفصحي: إنه بموته يحررنا من الخطيئة وبقيامه يفتح لنا المدخل إلى حياة جديدة وهذه الحياة الجديدة هي أولا التبرير الذي يعيدنا إلى النعمة الله حتى أنا كما أقيم المسيح من بين الأموات كذلك نسلك نحن أيضا في جدة الحياة (رو 6، 4) وهي تقوم بالتغلب على موت الخطيئة وبالاشت ارك الجديد في النعمة وهي تتم التبني لان البشر يصبحون إخوة المسيح كما يدعو يسوع نفسه تلاميذه بعد قيامته اذهبا قولا لإخوتي (متى 28، 10) إخوة لا بالطبيعة بل بموهبة النعمة لأن هذا التبني يكسب اشتراكا حقيقيا في حياة الابن الوحيد الذي كشف عن ذاته بالقيامة كشفا كاملا .

655- أخيرا قيامة المسيح- والمسيح القائم نفسه- هي مبدأ وينبوع قيامتنا الآتية: “إن المسيح قد قام من بين الأموات باكورة للراقدين فكما أنه في آدم يموت الجميع كذلك أيضا في المسيح سيحيا الجميع( “1 كو 15، 20- 22). وفي انتظار هذا التحقيق، يحيا المسيح القائم من الموت في قلب مؤمنيه. فيه يتذوق المسيحيون “قوات الدهر الآتي” (عب 6، 5)، وحياتهم يشدها المسيح على قلب الحياة الإلهية “لكي لا يحيا الأحياء لنفسهم في ما بعد بل للذي مات وقام لأجلهم( “2 كو 5، 15).

بإيجاز:

656- الإيمان بالقيامة يتناول حدثا يثبته تاريخيا التلاميذ الذين لقوا في الحقيقة القائم من الموت، ويسمو سريا أيضا في كونه دخول ناسوت المسيح في مجد الله.

657- القبر الخالي واللفائف المطروحة تعنى في ذاتها أن جسد المسيح أفلت من قيود الموت والفساد بقدرة الله. إنها تعد التلاميذ للقاء القائم من الموت.

658- المسيح، “البكر من بين الأموات” (كو 1، 18)، هو مبدأ قيامتنا الخاصة منذ الآن بتبرير نفسنا، وفي الزمن الآتي بإحياء جسدنا.

المقال السادس

“يسوع صعد إلى السماوات، وهو جالس إلى يمين الله الآب الكلى القدرة”

659- “ومن بعد ما كلمهم الرب يسوع ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله” (مر 16، 19). فجسد المسيح مجد منذ اللحظة الأولى لقيامته كما تشهد بذلك المميزات الجديدة والفائقة الطبيعة التي يتمتع بها جسده منذ الآن فصاعدا وبغير انقطاع. ولكن في مدة الأربعين يوما التي سيأكل ويشرب فيها مع تلاميذه ببساطة الأنفة، ويعلمهم فيها شؤون الملكوت، سيبقى مجده مستوار بستار الإنسانية العادية. ظهور يسوع الأخير ينتهي بدخول ناسوته دخولاً نهائيا في المجد الإلهي الذي ترمز إليه السحابة والسماء حيث سيجلس من الآن فصاعدا عن يمين الله. وأنه سيتراءى بطريقة جد استثنائية ووحيدة لبولس “كأنما للسقط ( “1 كو 15، 8) ترائيا أخيراً يجعل منه رسولاً.

660- إن ميزة المجد المحجوب لدى القائم من الموت في هذه المدة تظهر في كلامه العجيب لمريم المجدلية: “لم أصعد بعد إلى أبى، بل أمضى إلى إخوتي وقولي لهم إني صاعد إلى أبي وأبيكم، إلى إلهي وإلهكم” (يو 20، 17). فهذا يدل على اختلاف في الظهور ما بين مجد المسيح القائم من الموت ومجد المسيح الجالس عن يمين الآب. وحادث الصعود التاريخي والسامي معاً يدل على الانتقال من الواحد إلى الآخر.

661- هذه المرحلة الأخيرة تبقى شديدة الارتباط بالأولى، أي الانحدار من السماء الذي تحقق في التجسد. والذي “خرج من الآب” يستطيع وحده “العودة إلى الآب”: أي المسيح.“لم يصعد أحد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن البشر” (يو 3، 13). فإذا تركت الإنسانية لقواها الطبيعة لم تستطع الدخول إلى “بيت الآب” إلى حياة الله وسعادته. المسيح وحده استطاع أن يفتح للإنسان هذا الباب “بحيث يكون لنا، نحن الأعضاء، آمل اللحاق به إلى حيث سبقنا هو أرسنا ومبدأنا”.

662- “وأنا متى رفعت عن الأرض اجتذبت إلى الجميع” (يو 12، 32) فالارتفاع على الصليب يعنى ارتفاع الصعود إلى السماء والإنباء به. غنه بدء الصعود ويسوع المسيح الكاهن الوحيد للعهد الجديد والأزلي، لم “يدخل مقدساً صنعته الأيدي …بل دخل السماء بعينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا”(عب 9، 24). وفي السماء يمارس المسيح كهنوته بغير انقطاع “إذ إنه على الدوام حي ليشفع في” من “يتقربن به أي الله” (عب 7، 25). وبما أنه “حبر للخيرات الآتية”(عب 9، 11) فهو قلب الليتورجيا والفاعل الرئيسي فيها، هي التي تكرم الآب في السماوات.

663- المسيح يجلس منذ الآن فصاعداً إلى يمين الآب: “ونحن نعنى بيمين الآب مجد الألوهة وشرفها حيث جلس من كان ابناً لله قبل جميع الدهور، إلها واحد الجوهر مع الآب، من بعد تجسد ومن بعدما تمجد جسده.” 

664- الجلوس إلى يمين الأب يعنى افتتاح ملك الماسيا، أي تحقيق رؤيا دانيال النبي في شأن بن الإنسان: “أوتي سلطانا ومجداً وملكاً، فجميع الشعوب والأمم والألسنة يعبدونه، وسلطانه سلطان أبدي لا يزول ولكته لا ينقرض”(دا 7، 14). فمنذ هذه اللحظة، أصبح الرسل شهود “الملك الذي ليس له انقضاء.”

بإيجاز:

665- صعود المسيح يشير إلى الدخول النهائي لناسوت يسوع إلى مقر الله السماوي من حيث سيعود، المقر الذي يخفيه في هذا الوقت عن عيون البشر.

666- يسوع المسيح، ارش الكنيسة، يسبقنا إلى ملكوت الآب المجيد حتى نحيا نحن، أعضاء جسده، في رجاءه أن نكون يوما معه إلى الأبد.

667- يسوع المسيح، الذي دخل مرة واحدة ،مقدس السماء، يشفع فينا أبدا، على أنه الوسيط الذي يضمن لنا أبدا فيض الروح القدس.

المقال السابع

“من حيث سيأتي ليقاضي الأحياء والأموات”

1ـ “سيعود في المجد” المسيح يملك منذ الآن بالكنيسة…

668- “مات المسيح وعاد حيا ليسود الأموات والأحياء” (رو 14، 9). فصعود المسيح إلى السماء يعنى إشراكه بناسوته في قدرة الله نفسه وفي سلطانه يسوع المسيح رب: بيده كل سلطة في السماوات وعلى الأرض. وهو “فوق كل رئاسة وسلطان وقوة وسيادة”، لأن “الآب أخضع كل شيء تحت قدميه” (أف 1، 20- 22). المسيح هو سيد الكون والتاريخ. فيه يجد تاريخ الإنسان وكل الخليقة “خلاصهما”، ونهايتهما السامية.

669- والمسيح، بصفته رباً، هو أيضا أرس الكنيسة التي هي جسده. وبعد أن رفع إلى السماء ومجد، متمما هكذا رسالته إتماماً كاملاً، فهو يبقى على الأرض في كنيسته فالفداء هو مصدر السلطة التي يمارسها المسيح على الكنيسة، بقوة الروح القدس “فملك المسيح هو الآن حاضر سريا في الكنيسة”، “نواة وبدء هذا الملكوت على الأرض.”

670- منذ الصعود أخذ تصميم الله يتحقق. فنحن الآن في “الساعة الأخيرة( “1 يو 2، 18).

“فالأزمنة الأخيرة إذًا قد أتت بالنسبة إلينا، وتجديد العالم قد حصل على غير تراجع ووقع بكل حقيقة، في الأيام الحاضرة، ذلك بأن الكنيسة مزدانة الآن على الأرض بقداسة حقيقة وإن غير كاملة. وملك المسيح يظهر الآن حضوره بالآيات العجائبية التي تترافق إعلانه عن طريق الكنيسة.”

…بانتظار أن يخضع له كل شيء 

671- ملك المسيح، الحاضر الآن في كنيسته، لم يتم بعد “في قدرة ومجد عظيم” (لو 21، 27)، بمجيء الملك إلى الأرض. وهذا الملك تقاومه قوى الشر، وإن كانت قد غلبت في الأساس بفصح المسيح. فإلى أن يخضع له كل شيء، “إلى أن تتحقق السماوات الجديدة والأرض الجديدة حيث يسكن البر، تحمل الكنيسة إبان رحلتها، في أسرارها ومؤسساتها المرتبطة بهذا الزمن، صورة الدهر الزائل، وتعيش هي نفسها وسط الخلائق التي لا تني تئن الآن في أوجاع المخاض، وتنتظر تجلى أبناء الله”. ولهذا يصلى المسيحيون، ولا سيما في الافخارستيا، لتسريع عودة المسيح، قائلين له:“تعال يا رب” (رؤ 22، 20).

672- المسيح أكد قبل صعوده أنه لم تأت بعد ساعة إقامة الملكوت المسيحاني المجيد الذي ينتظره إس ارئيل، والذي كان من شانه أن يجلب للبشر، على حد قول الأنبياء، نظام البر النهائي والمحبة والسلام، فالزمن الحاضر هو، بحسب الرب، زمن الروح والشهادة، ولكنه زمن أيضا موسومبسمة الضيق (1 كو 7، 26) وامتحان الشر الذي لا يحيد عن الكنيسة، والذي يفتح صراعات الأيام الأخيرة. إنه زمن ترقب وسهر.

مجيء المسيح المجيد، رجاء إسرائيل 

673- منذ الصعود أصبح مجيء المسيح في المجد قريبا، وأن لم يكن لنا “أن نعرف الأوقات التي أقرها الآب في سلطانه الخاص “(رسل 1، 7). هذا المجيء المعادي يمكنه أن يتم في أي وقت، وإن كان “مقيدا”، هو والامتحان الأخير الذي سيسبقه.

674- مجيء الماسيا المجيد معلق بكل وقت من أوقات التاريخ، إلى أن يعترف به “كل إسرائيل الذي تصلب قسم منه في “عدم الإيمان” (رو 11، 20) بيسوع ـ والقديس بطرس يقول ذلك ليهود أورشليم بعد العنصرة: “اندموا وتوبوا لكي تمحى خطاياكم، فتأتى أوقات ال ارحة من قبل الرب ،ويرسل الذي أعد لكم من قبل، المسيح يسوع الذي ينبغي أن تقبله السماء، إلى عهد تجديد كل شيء، الذي تكلم عنه الله منذ القديم على أفواه أنبيائه القديسين( “رسل 3، 19- 21). والقديس بولس يردد صداه قائلاً: “إن كان انتباذهم مصالحة للعالم، فماذا يكون قبولهم إلا حياة للأموات؟” (رو 11، 15). فدخول جمهرة اليهود في الخلاص المسيحاني، في عقب جمهرة الأمم يتيح لشعب الله أن ” يحقق ملء اكتمال المسيح ” (أف 4، 13)، الذي يكون فيه “الله كلا في الكل”(1 كو28 ،15)

امتحان الكنيسة الأخير

675- لابد للكنيسة، قبل مجيء المسيح، من أن تجتاز امتحانا أخيراً يزعزع إيمان كثير من المؤمنين. والاضطهاد الذي يرافق زيارته للأرض يكشف “سر الجور” في شكل تدجيل ديني يقدم للبشر حلاً ظاهراً لقضاياهم ثمنه جحود الحقيقة والتجديل الديني الأعظم هو تدجيل المسيح الدجال، أي تدجيل المسيحانية الكاذبة، حيث يمجد الإنسان نفسه في مكان الله ومسيحه المتجسد.

676- هذا التدجيل المناهض للمسيح ويرتسم في العالم كلماً ادعى الناس أن يحققوا في التاريخ الرجاء المسيحاني الذي لا يمكن أن يتم إلا بعده في الدينونة المعادية، والكنيسة نبذت هذا التزوير للملكوت التي حتى في صيغته المخففة المعروفة بالألفية، ولا سيما صيغتها السياسية كمسيحانية علمانية “فاسدة في جوهرها.”

677- الكنيسة لن تدخل في مجد الملكوت إلا من خلال هذا الفصح الأخير حيث تتبع ربها فيموته وفي قيامته. فالملكوت لن يتحقق إذًا بانتصار تاريخي للكنيسة يكون في تطور صاعد بل بانتصار لله على جماح الشر الأخير الذي سينزل عروسها من السماء. وانتصار الله على ثورة الشر سيتخذ شكل الدينونة الأخير لهذا العالم المتلاشي.

2- “ليقاضي الأحياء والأموات “

678- بعد الأنبياء ويوحنا المعمدان، أعلن يسوع في كرازته دينونة اليوم الآخر، حينذاك يكشف سلوك كل واحد، وسر القلوب. عند ذلك يقضى على عدم الإيمان الأثيم، الذي استخف بالنعمة التي وهبها الله، وموقف الإنسان بالنسبة إلى القريب سيكشف عن حسن استقبال النعمة والمحبة الإلهية أو رفضها. سيقول يسوع في اليوم الأخير: “إن كل ما صنعتموه إلى واحد من إخوتي هؤلاء ،إلى واحد من الصغار، فإلى قد صنعتموه” (متى 25، 40).

679- المسيح سيد الحياة الأبدية، وله الحق الكامل في أن يحكم نهائيا على أعمال البشر وقلوبهم بكونه فادي العالم. لقد “أكتسب” هذا الحق بصليبه. ولهذا فالآب “فوض إلى الابن كل دينونة” (يو 5، 22) . والابن لم يأت ليدين، بل ليخلص، ولكي يعطى الحياة التي فيه. ويرفض النعمة في هذه الحياة يدين كل واحد ذاته، فينال ما تستحقه أعماله، ويستطيع حتى أن يهلك نفسه إلى الأبد برفضه روح المحبة.

بإيجاز:

680- المسيح الرب يملك منذ الآن بالكنيسة، ولكن لم يخضع له بعد كل شيء في هذا العالم ،ولن يتحقق انتصار ملكوت المسيح بدون أن يلاقى هجوما أخيار من قوات الشر.

681- في يوم الدينونة، عند انتهاء العالم، سيأتي المسيح في المجد ليحقق الانتصار النهائي للخير على الشر، اللذين، مثل حبة القمح والزوان، ينموان معا على مر التاريخ.

682- عندما يأتي المسيح الممجد في آخر الأزمان ليقاضي الأحياء والأموات سيكشف عن استعدادات القلوب السرية، وينيل كل إنسان ما استحقته أعماله، وقبوله أو رفضه للنعمة.