Search

التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة

9. مفاعيل هذا السر

1468- “كل مفعول سر التوبة أن يعيدنا ألى نعمة الله ويضمنا أليه في صداقة قصوى” . هدف هذا السر ومفعوله هو أذن أن نتصالح مع الله . أن الذين يقبلون ألى سر التوبة بقلب منسحق ، واستعداد ورع ، “يشعرون من بعده بسلام الضمير وراحته ، ترافقهما تعزية روحية قوية” . وذلك بأن سر المصالحة مع الله يجلب لنا “قيامة روحية” حقيقية ، وأستردادا لما يملكه أبناء الله ، في حياتهم ، من كرامة وخيرات أثمنها صداقتنا مع الله .

1469- هذا السر يصالحنا مع الكنيسة . فالخطيئة تثلم الشركة الأخوية أو تحطمها ، التوبة يصلحها ويرممها . وهو ، في هذا الصدد ، لا يشفي فقط من أعيد ألى الشركة الكنيسة ، بل يحدث أثرا محييا في حياة الكنيسة التي ألمت بها خطيئة أحد أعضائها . فأذا أرتد الخاطئ ألى شركة القديسين وثبت فيها ، فهو يتقوى بتبادل الخيرات الروحية بين جميع اعضاء جسد المسيح الحية ، سواء الذين لا يزالون في دروب هذه الحياة أم الذين سبقونا ألى الوطن السماوي :

“لا بد من التذكير بأن المصالحة مع الله تستتبع نوعا ما ، مصالحات أخرى ، تصلح ما تؤدي أليه الخطيئة من صدوع أخرى : فالتائب الذي شمله الصفح يصالح ذاته في عمق كيانه ، حيث يستعيد حقيقته الباطنة ؛ ويصالح أخوته الذين أهانهم ، نوعا ما ، وجرحهم ؛ ويصالح الكنيسة ، بل الخليقة كلها” .

1470- في هذا السر يستبق الخاطئ ، نوعا ما ، بوضع ذاته تحت حكم الله الشفوق ، الحكم الذي سوف يخضع له في ختام حياته الدنيوية . لأننا الأن ، ونحن في قيد هذه الحياة ، يترك لنا الخيار بين الحياة والموت ، وليس لنا ألا التوبة بابا لدخول الملكوت الذي تنفينا منه الخطيئة الثقيلة . فعندما يرتد الخاطئ ألى المسيح بالتوبة والأيمان ، ينتقل من الموت ألى الحياة “ولا يخضع للدينونة” (يو 5:24) .

10. الغفرانات

1471- قضية الغفرانات في الكنيسة، عقيدة وممارسة، مرتبطة ارتباطا وثيقا بسر التوبة .

ما هو الغفران؟

“الغفران هو ان يترك لنا الله العقاب الزمني الذي تستتبعه الخطايا المغفورة غلطتها . وترك العقاب هذا يحظى به المؤمن بشروط معينة ، بفعل الكنيسة التي جعلها الله قيمة على ثمار الفداء فتوزعها بسلطانها ، وتطبق على المؤمنين استحقاقات المسيح والقديسين” .
“يكون الغفران جزئيا أو كاملا ، حسبما يعفى الخاطئ جزئيا أو كليا من العقاب الزمني الذي تجره الخطيئة . “كل مؤمن بأستطاعته ان يحصل على غفرانات {…} لنفسه أو يطبقها على الراقدين” .

عقوبات الخطيئة

1472- لكي نفهم هذه العقيدة وهذه الممارسة في الكنيسة ، لا بد من النظر الى الخطيئة في مفعولها المزدوج . فالخطيئة الثقيلة تحرمنا الشركة مع الله ، وتجعلنا ، من ثم ، غير أهل للحياة الأبدية ، وهذا ما يسمى “العقاب الأبدي” ومن جهة أخرى ، كل خطيئة ، حتى الخطيئة العرضية ، تجعلنا نتعلق تعلقا مريضا بالخلائق ، يحتاج الى تنقية ، سواء في هذا العالم أم بعد الموت ، في الحالة المعروفة “بالمطهر” . هذه التنقية تعفينا مما يسمى “بالعقاب الزمني” للخطيئة . هاتان العقوبتان ، يجب الا نعتبرهما شبه انتقام ينزله الله بنا من الخارج ، بل نتيجة نابعة من طبيعة الخطيئة نفسها . التوبة الصادرة عن محبة متقدة قد تؤدي بالخاطئ ألى تنقية كاملة تعفي صاحبها من كل عقاب .

1473- مغفرة الخطيئة واستعادة الشركة مع الله يستتبعان محو العقوبات الأبدية الناجمة عن الخطيئة . وأنما تبقى هناك عقوبات زمنية . وعلى المسيحي أن يسعى ألى أن يتحمل في الصبر عذابات الحياة ومحنها المتنوعة ، ومتى حانت الساعة ، أن يواجه الموت راضيا ، ويحسب هذه العقوبات الزمنية نعمة من الله . وعليه أن يدأب ، بأعمال الرحمة والمحبة ، وكذلك بالصلاة ومختلف أعمال التوبة ، في أن يخلع عنه كليا “الأنسان القديم” ويلبس “الأنسان الجديد” .
في شركة القديسين

1474- المسيحي الساعي ألى تنقية ذاته من الخطيئة وتقديس ذاته بمعونة النعمة الألهية ، ليس في مسعاه هذا : “حياة كل من أبناء الله مرتبطة ارتباطا عجيبا ، في المسيح وبالمسيح ، بحياة جميع المسيحيين ، في وحدة تفوق الطبيعة ، وحدة جسد المسيح السري ، كما في شخص سري” .

1475- في شركة القديسين ، “يقوم بين المؤمنين – الذين بلغوا الوطن السماوي والذين قبلوا في المطهر للتكفير عن ذنوبهم ، والذين لا يزالون حجاجا في الأرض- رباط محبة دائم ، وتبادل فائض لجميع الخيور” . في هذا التبادل العجيب ، قداسة الفرد تعود على الأخرين بفائدة تتحظى ، ألى حد بعيد ، الأذى الذي تلحقه بالاخرين خطيئة الفرد . وهكذا يجد الخاطئ التائب ، في الركون ألى شركة القديسين ، وسيلة أسرع وأفعل ، ليتنقى من عقوبات الخطيئة .

1476- هذه الخيور الروحية النابعة من شركة القديسين ، نسميها أيضا كنز الكنيسة . “وليس هذا الكنز مجموع خيور ، على شاكلة الثروات المادية المكدسة على مد الأجيال ، بل هو الثمن اللانهائي الفياض الذي احرزته ، عند الله ، كفارات المسيح ربنا واستحقاقاته المقربة لتعتق البشرية من الخطيئة وتنال الشركة مع الأب . ففي المسيح فادينا تفيض كفارات فدائه واستحقاقات هذا الفداء” .

1477- “وينضاف ألى هذا الكنز أيضا صلوات الطوباوية العذراء مريم وأعمالها الصالحة ، ولها ، في نظر الله ، ثمن دائم التجدد لا حد له ، ولا قياس ، وكذلك صلوات جميع القديسين وأعمالهم ، وقد تقدسوا بنعمة المسيح ، وساروا في خطاه، وأرضوا الرب بسيرتهم ، وساهموا ، وهم يعملون لخلاصهم ، في خلاص أخوتهم أيضا ، في وحدة الجسد السري” .

نيل الغفران من الله بواسطة الكنيسة

1478- نحظى “بالغفران” بواسطة الكنيسة التي نالت من المسيح يسوع سلطان الحل والربط . فبقوة هذا السلطان ، تتوسط الكنيسة للمسيحي ، وتفتح له كنز استحقاقات المسيح والقديسين ، وتنال له ، من لدن ابي المراحم ، ترك العقوبات الزمنية الناجمة عن خطاياه . وهكذا ، لا تبغي الكنيسة أن تغيث هذا المسيحي وحسب ، بل ان تستحثه على القيام بأعمال تقوى وتوبة ومحبة .

1479- نظرا الى أن المؤمنين الراقدين الذي لا يزالون في طول التطهر هم أعضاء أيضا في شركة القديسين عينها ، بوسعنا أن نسعفهم بطرق متنوعة ، كأن ننال لهم من الغفرانات ما يعفيهم من العقوبات الزمنية التي جرتها عليهم ذنوبهم .

11. الاحتفال بسر التوبة

1480- سر التوبة ، أسوة بباقي الأسرار ، هو عمل ليترجي . وهذه هي عادة عناصر الاحتفال به : تحية الكاهن وبركته ؛ قراءة كلمة الله لأنارة الضمير وتحريك الندامة والحث على التوبة ؛ الأعتراف الذي به يقر التائب بخطاياه ويكشفها للكاهن ؛ فرض القصاص وقبوله ؛ الحل من الخطايا على يد الكاهن ؛ الحمد والشكر وصرف التائب مزودا ببركة الكاهن .

1481- نجد في الليترجيا البيزنطية للحل عدة صيغ ابتهالية تعبر تعبيرا رائعا عن سر الغفران : “الاله الذي ، بواسطة ناتان النبي ، غفر لداود خطاياه التي اعترف بها ، ولبطرس الذي بكى بكاء مرا وللزانية التي أفاضت الدموع على قدميه ، وللعشار والأبن الشاطر ، هذا الأله عينه يصفح عنك ، بواسطتي انا الخاطئ في هذه الحياة وفي ألأخرة ، ويظهرك بلا دينونة أمام منبره الرهيب ، هو المبارك ألى دهر الداهين . أمين” .

1482- سر التوبة ، يجوز أقامته أيضا في أطار احتفال جماعي ، نستعد فيه معا للاعتراف ، ونشكر لله معا ما جاد به علينا من الصفح . في هذا الأطار يفسح مجال للأعتراف الفردي بالخطايا ، وللحل الفردي ، في تضاعيف ليترجيا كلمة الله ، مع ما يرافق ذلك من قراءات وعظة ومحاسبة ضمير مشتركة ، والتماس جماعي للصفح وصلاة الأبانا والشكر المشترك . هذا الاحتفال الجماعي يعبر ، بطريقة ابلغ ، عن التوبة في طابعها الكنسي . ولكن ، أيا كانت طريقة الاحتفال به ، فسر التوبة هو دائما ، في طبيعته ذاتها ، عمل ليترجي وبالتالي كنسي وعلني .

1483- في حال الضرورة الماسة يجوز اللجوء ألى سر المصالحة في أحتفال جماعي يتضمن الاعتراف العمومي والحل العمومي . مثل هذه الحاجة الماسة قد يطرأ خطر موت داهم لا يتيح للكاهن او للكهنة ما يكفي من الوقت للاستماع الى اعتراف كل تائب بمفرده . وقد تطرأ الضرورة الماسة ايضا عندما لا يتوفر عدد المعرفين لتلبية جمهور التأبين، والاستماع، بالطريقة المفروضة، ألى اعترافاتهم الفردية في وقت معقول، فيحرم التائبون ، مدة طويلة ، عن غير ذنب منهم ، نعمة ألسر أو التناول المقدس . في هذه الحال ، يجب على المؤمنين ، لينالوا حلا صحيحا لذنوبهم ، أن يعقدوا العزم على الاعتراف الفردي بخطاياهم الثقيلة ، في الوقت المطلوب . وأنه لمن صلاحيات الأسقف الأبرشي أن ينظر في الشروط المطلوبة للحل الجماعي . أما توافد المؤمنين في مناسبة الأعياد الكبرى مناسبات الحج ، فلا يشكل حالة من أحوال هذا الخطر الماس .

1484- “الاعتراف الفردي الكامل والحل الذي يعقبه هما الطريقة العادية الوحيدة لتحقيق المصالحة مع الله والكنيسة ، ألا أذا أعفى من مثل هذا الأعتراف مانع طبيعي أو أدبي” . هذه القاعدة لا تخلو من أسباب عميقة . فالمسيح يعمل من خلال كل من الاسرار ، ويتوجه شخصيا ألى كل من الخطأة : “يا بني ، مغفورة لك خطاياك” (مر 2:5) . أنه الطبيب الحادب على كل من المرضى المحتاجين أليه ليبرأوا : يقيلهم من عثرتهم ويعيدهم الى الشركة الأخوية . الاعتراف الفردي هو الصيغة الأمثل لعقد المصالحة مع الله والكنيسة .

بايجاز

1485- “في مساء الفصح ظهر الرب يسوع لرسله وقال لهم : “خذوا الروح القدس . فمن غفرتم خطاياهم غفرت لهم ، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت” (يو 20:22-23) .

1486- مغفرة الخطايا المقترفة بعد المعمودية تمنح بواسطة سر خاص يعرف بسر الارتداد ، او الاعتراف ، أو التوبة ، أو المصالحة .

1487- من يخطأ يجرح الله في كرامته ومحبته ، ويجرح كرامة الانسان الذاتية بصفته كائنا مدعوا ألى أن يكون أبن الله ، ويبلبل راحة الكنيسة الروحية ، تلك الكنيسة التي يجب على كل مسيحي أن يكون فيها حجرا حيا .

1488- في نظر الأيمان ، لا شر أعظم من شر الخطيئة ولا شيء يجر على الخطأة أنفسهم وعلى الكنيسة وعلى العالم بأسره عواقب أوخم .

1489- العودة ألى الشركة مع الله التي نفقدها بالخطيئة هي حركة تولدها نعمة الله الرحيم والمعني بخلاص البشر . ولا بد من أن نلتمس هذه العطية النفسية لذواتنا وللغير .
1490- حركة العودة ألى الله التي تدعى ارتدادا وتوبة تفترض توجعا وكرها للخطايا المقترفة والعزم الثابت على ألا نعود نخطأ من بعد . الأرتداد يتصل أذن بالماضي وبالمستقبل ، ويتقوى بالأتكال على رحمة الله .

1491- سر التوبة قوامه الأعمال الثلاثة التي يقوم بها التائب ، والحل الذي يعطيه الكاهن . أعمال التائب هي التوبة والاعتراف أي كشف الخطايا للكاهن ، والعزم على التكفير عنها والقيام بأعمال التكفير .

1492- التوبة (أو الندامة) يجب أن ترتكز على أسباب تتصل بالأيمان . فأذا صدرت التوبة عن محبة خالصة لله ، فهي “التوبة الكاملة” . وأما أذا ارتكزت على أسباب أخرى ، فهي “التوبة الناقصة” .

1493- من رام المصالحة مع الله ومع الكنيسة ، عليه أن يعترف للكاهن بجميع الخطايا الثقيلة التي لم يعترف بعد بها والتي يتذكرها بعد محاسبة دقيقة لضميره . وأما الاعتراف بالخطايا العرضية ، وأن لم يكن ملزما ، فالكنيسة تحبذه ، مع ذلك ، وتشدد عليه .

1494- يعرض المعرف على التائب القيام ببعض أعمال “التكفير” أو “التعويض” ، لأصلاح الضرر الناتج عن الخطيئة ، واستعادة الخصال التي يتميز بها تلميذ المسيح .

1495- لا يجوز الا للكهنة الذين تفوض أليهم الكنيسة سلطان الحل ، أن يغفروا الخطايا بأسم المسيح .

1496- المفاعيل الروحية لسر التوبة هي :
– المصالحة مع الله التي بها يستعيد التائب النعمة الألهية ؛
– المصالحة مع الكنيسة ؛
– محو العقاب الأبدي الذي تستوجبه الخطايا الثقيلة ؛
– محو العقوبات الزمنية – ولو جزئيا – الناجمة عن الخطايا ؛
– السلام وطمأنينة الضمير والتعزية الروحية ؛
– تنامي القوى الروحية ، في سبيل الجهاد المسيحي الروحي .

1497 – الاعتراف الفردي والكامل بالخطايا الثقيلة والحل الذي يعقبها هما الوسيلة العادية الوحيدة للمصالحة مع الله ومع الكنيسة .

1498 – يستطيع المؤمنون ، بواسطة الغفرانات ، أن ينالوا لذواتهم وللنفوس المطهرية أيضا محو العقوبات الزمنية الناجمة عن الخطايا .

المقال الخامس 

مسحة المرضى

1499 – “بالمسحة المقدسة المقرونة بصلاة الكهنة ، الكنيسة كلها تشفع بالمرضى لدى الرب الذي تألم وتمجد ليعزيهم ويخلصهم ، وتحثهم على أفضل من ذلك : أن يشتركوا اشتراكا طوعيا في ألام المسيح وموته ، فيؤدوا بذلك قسطهم في ما يعود على شعب الله بالخير” .

1. ركائزها في تدبير الخلاص

المرضى في حياة البشر

1500 – لقد كان المرضى والعذاب دائما من أخطر المعضلات الملمة بالحياة البشرية . ففي المرضى يختبر الانسان مدى عجزه وحدوده ومدوديته . وكل مرض يتراءى لنا الموت من خلاله .

1501 – وقد يقود المرضى ألى الجزع والأنكفاء على الذات ، بل ألى أليأس والثورة على الله أحيانا . ولكنه قد يصير الانسان أكثر نضجا ، ويساعده في تمييز ما ليس جوهريا في حياته ، فيرتد ألى ما هو جوهري . وقد يفضي المرض ، غالبا جدا ، ألى التماس الله والعودة أليه .

المريض تجاه الله

1502– إنسان العهد القديم عاش المرض في حضرة الله : يسكب امامه شكواه من مرضه ، ومنه ، وهو سيد الحياة والموت ، يلتمس الشفاء . ويصبح المرضى سبيلا ألى الارتداد ، وصفح الله بدءا للشفاء . ويختبر أسرائيل المرضى ، بطريقة سرية ، مرتبطا بالخطيئة والشر ، والاخلاص لله ولشريعته طريق عودة ألى الحياة : “أنا الرب معافيك” (خر 15:26) . ويتراءى للنبي ان العذاب قد يكسب أيضا معنى فدائيا لذنوب الأخرين . ويتنبأ أشعيا أخيرا بأن الله سوف يؤتي صهيون زمنا ينزع فيه كل أثم ويشفي كل مرض .

المسيح الشافي

1503 – شفقة المسيح على المرضى وشفاؤه كثيرين بعلل من كل نوع هما الدليل الساطع على أن “الله قد افتقد شعبه” ، وأن ملكوت ألله قد أضحى قريبا جدا . ولم يكن يسوع ليملك سلطان الشفاء وحسب ، بل سلطان مغفرة الخطايا أيضا : لقد جاء ليبرىء الانسان كله ، جسدا وروحا . أنه الطبيب الذي يحتاجه المرضى . وقد اوغلت به شفقته على كل المعذبين ألى حد التماهي وأياهم : “كنت مريضا فعدتموني” (متى 25:36). هذه المحبة التي أثر بها الشقماء ما زالت توقظ لدى المسيحيين ، عبر الأجيال ، تنبها خاصا لجميع المعذبين جسما وروحا ، وهي مصدر الجهود المتواصلة للتخفيف عنهم.

1504 – كثيرا ما كان يسوع يطلب الايمان من المرضى ، ويستعين وسائل حسية للشفاء : الريق ووضع اليدين والطين والغسل . وكان المرضى يحاولون أن يلمسوه “لان قوة كانت تخرج منه وتبرىء الجميع” (لو 6:19) . هكذا لا يزال المسيح “يمسنا” بواسطة الأسرار ليشفينا .

1505 – وكان المسيح تتحرك مشاعره لكل هذه الأوصاب ، فلا يرق للمرضى وحسب ، بل يعتنق اسقامهم : “لقد اخذ اسقامنا وحمل أمراضنا” (متى 8:17) . أنه لم يبرئ كل المرضى ، لأن الأشفية كانت من أيات مجيء ملكوت الله ، التي تنبىء بشفاء أعمق : وهو الأنتصار بفصحه على الخطيئة والموت . لقد أخذ المسيح على عاتقه ، وهو على الصليب ، كل ثقل الشر “ورفع خطيئة العالم” (يو 1:29) ، التي ما المرض سوى نتيجة لها . فالمسيح ، بألامه وموته ، قد اضفى على العذاب معنى جديدا : وهو أن العذاب يستطيع أن يجعلنا على صورته ويضمنا الى الامه الخلاصية .

“أشفوا المرضى ….”

1506- يدعو المسيح تلاميذه ألى اتباعه حاملين ، هم أيضا ، صليبهم ، وباتباعه يكتسبون نظرة جديدة ألى المرض وألى المرض . ويشركهم يسوع في حياته الفقيرة الخادمة ، ويدعهم يساهمون في رسالة الشفقة والشفاء التي يقوم بها : “مضوا يدعون الناس ألى ألتوبة ، وطردوا كثيرا من الشياطين ودهنوا بالزيت كثيرا من المرضى فشفوهم” (مر 6:12-13) .

1507 – وينتدبهم الرب ثانية من بعد قيامته ، لهذه الرسالة : “والذين يؤمنون تصحبهم هذه الأيات : فبأسمي […] يضعون أيديهم على المرضى فيتعافون” (مر 16:17-18) ، ويثبتها بالأيات التي تصنعها الكنيسة باستدعاء أسمه . هذه الأيات تعلن ، بطريقة خاصة ، أن يسوع هو حقا “الأله الذي يخلص” .

1508 – ان الروح القدس يجود على البعض بموهبة شفاء خاصة ، ليعلن قوة النعمة الصادرة عن القائم من بين الاموات . ولكن احر الصلوات قد لا تؤدي أحيانا ألى شفاء كل الامراض. وهكذا تعلم القديس القديس بولس من الرب ان: “حسبك نعمتي، ففي الضعف يبدو كمال قدرتي” ( 2 كو 9:12)، وان احتمال الالام قد يعني اني “اتم في جسدي ما ينقص من الام المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة” ( كو 24:1).

1509- “اشفوا المرضى” (متى 8:10). هذه المهمة، تلقتها الكنيسة من الرب وتسعى الى تحقيقها بكل ما توفره للمرضى من وسائل العناية، وما ترافقهم به من ادعية وتشفعات. انها تؤمن بحضور المسيح الحي، طبيب النفوس والاجساد. هذا الحضور يفعل فعله بطريقة خاصة عبر الاسرار، وخصوصا عبر الافخارستيا، وهي الخبز الذي يعطي الحياة الابدية والذي يلمح القديس بولس الى علاقته بالصحة البدنية .

1510- الا ان الكنيسة الرسولية مارست طريقة طقسية خاصة لفائدة المرضى، يشير اليها القديس يعقوب: “هل فيكم مريض؟ فليدع كهنة الكنيسة ليصلوا عليه بعد ان يمسحوه بالزيت باسم الرب. ان الصلاة مع الايمان تخلص المريض، والرب ينهضه. وان من اسرار الكنيسة السبعة .

سر للمرضى

1511- ان الكنيسة تؤمن وتعترف بوجود سر من الاسرار السبعة، يهدف خصوصا الى مساندة المبتلين بالمرض، وهو مسحة المرضى.

“هذه المسحة المقدسة قد وضعها المسيح ربنا سرا من اسرار العهد الجديد، بالمعنى الحقيقي والحصري وقد المح اليه مرقس ، واعلنه يعقوب الرسول اخو الرب، واوصى به المؤمنين” .

1512- في التقليد الليترجي، شرقا وغربا، نجد منذ القدم شهادات تثبت استعمال الزيت المقدس لمسح المرضى. وعلى توالي القرون، اخذت الكنيسة تقصر مسحة المرضى ، اكثر فاكثر، على المشرفين على الموت. ولذا سميت “بالمسحة الاخيرة”. ولكن الليترجيا، بالرغم من هذا التطور، لم تكف يوما عن الصلاة الى الرب ليرد الى المريض عافيته، اذا كان مفيدا لخلاصه .

1513- ان الدستور الرسولي في “مسحة المرضى المقدسة” الصادر في 30 تشرين الثاني 1972، في اعقاب المجمع الفاتيكاني الثاني ، قد قرر اعتماد القواعد التالية، في الطقس الروماني:
“يمنح سر مسحة المرضى للمرضى المخطرين، فيدهنون على جبهتهم ويديهم بزيت مبارك حسب الاصول- بزيت زيتون او أي زيت اخر مستخرج من النبات – مع القول مرة واحدة: “بهذه المسحة المقدسة، يشددك الرب العظيم الرحمة بنعمة الروح القدس. ويخلصك وينهضك، بعد ان يحررك من خطاياك” .

2. من ينال هذا السر ومن يمنحه؟

في حال المرض الخطير…

1514- مسحة المرضى ” ليست سرا مقصورا على من بلغوا الغاية القصوى من الحياة. ومن ثم ، فالميقات المناسب لقبولها هو، في الحقيقة، عندما يبدا المؤمن يتعرض لخطر الموت من جراء المرض او الشيخوخة” .

“… فليدع كهنة الكنيسة”

1516- الاساقفة والكهنة هم وحدهم خدمه سر مسحة المرضى . وواجب الرعاة أن يحيطوا المؤمنين علما بفوائد هذا السر. وليحث المؤمنون المرضى على أن يستدعوا الكاهن ليقبلوا هذا السر. وليستعد المرضى لقبوله بحسن التأهب بمعاونة رعاتهم وكل الجماعة الكنسية المدعوة الى أن تحيط المرضى احاطة خاصة جدا بصلواتها والتفاتاتها الاخوية.

3. كيف يحتفل بهذا السر؟

1517- مسحة المرضى، ككل الاسرار، يحتفل بها ليترجيا وجماعيا ، سواء أفي الاسرة أقيمت أم في المستشفى أم في الكنيسة، لمريض واحد أو لمجموعة من السقماء. ومن المناسب جدا ان يحتفل بها في اطار الافخارستيا، تذكار فصح الرب. ويمكن أن يسبق المسحة سر التوبة ويعقبها سر الافخارستيا اذا دعت الظروف الى ذلك. ولا غرو فالافخارستيا، باعتبارها سر فصح المسيح، يجب أن تكون اخر سر نقبله في ختام رحلتنا الارضيه، والزاد الذي يتيح لنا “العبور” الى الحياة الابدية.

1518- الكلمة والسر يؤلفان حقيقه لا تنفصم. ليترجيا الكلمة تفتتح الاحتفال، مسبوقة بفعل التوبة. فأقوال المسيح وشهادة الرسل توقظ ايمان المريض والجماعة، فيلتمسان من الرب قوه روحة.

1519- ويتضمن الاحتفال بهذا السر، بصورة رئيسة، العناصر التالية: “فكهنة الكنيسة” يضعون أيديهم- في الصمت- على المرضى، ويصلون عليهم بايمان الكنيسة ، وهذه هي صلاة “الاستدعاء” التي يختص بها هذا السر. ثم يمنحون المسحة بالزيت الذي يباركه الاسقف اذا أمكن. هذه الاعمال الليترجيه ترمز الى النعمة التي ينالها المرضى من هذا السر.

4. مفاعيل الاحتفال بهذا السر

1520- موهبة خاصة من الروح القدس. أولى نعم هذا السر هي نعمة تعزية وسلام وصبر للتغلب على الصعاب التي تلازم حالة المرض الثقيل أو وهن الشيخوخة. هذه النعمة هي عطية من الروح القدس، تجدد الثقة والايمان بالله وتقوي النفس في مواجهة وساوس الشيطان واجتذاب النفس الى اليأس والجزع من الموت . معونة الرب هذه، بقوة روحة، تهدف، ولا شك، الى شفاء نفس المريض، ولكن الى شفاء جسده أيضا، اذا كانت تلك مشيئة الله . “وان كان قد اقترف خطايا، تغفر له” (يع 15:5) .

1521- الاتحاد بالام المسيح. بنعمة هذا السر يتلقى المريض من القوة والموهبة ما يمكنه من الاتحاد بالام المسيح اتحادا أوثق: فهو مكرس، نوعا ما، ليؤتي ثمرا بتشبههه بالام المخلص الفادية. فالعذاب الذي ينجم عن الخطيئة الاصلية يكتسب معنى جديدا، ويصبح اشتراكا في عمل يسوع الخلاصي.

1522- نعمة كنسية. المرضى الذين يقبلون هذا السر، “باشتراكهم الطوعي في الام المسيح وموته”، يؤدون “قسطهم، في ما يعود على شعب الله بالخير” . ان الكنيسة، باحتفالها بهذا السر، في شركة القديسين، تشفع الى الله لخير المريض، كما أن المريض يساهم هو أيضا، بنعمة هذا السر، في تقديس الكنيسة وخير كل الذين تتألم الكنيسة لاجلهم، وتقرب ذاتها، بالمسيح، الى الله الاب.

1523- تأهب للعبور الاخير: لئن كان سر مسحة المرضى يمنح لجميع الذين يعانون من أمراض وأسقام ثقيلة، فهو يمنح، بأولى حجة، للمشرفين على النزوح من هذه الحياة ، مما دفع الى تسميته أيضا “بسر المنتقلين” . ان مسحة المرضى تتم شبهنا بموت المسيح وقيامته، كما ابتدأت المعمودية بذلك، وتتوج المسحات المقدسة التي تتخلل مختلف مراحل الحياة المسيحية: فمسحة المعمودية تثبت فينا الحياة الجديدة، ومسحة التثبيت أو الميرون تقوينا في جهاد هذه الحياة. وأما المسحة الاخيرة فتحصن نهاية حياتنا الارضية بسور متين، تأهبا للصراعات الاخيرة قبل دخولنا بيت الاب .

5. الزاد: اخر سر في حياة المسيحي

1524- ان الكنيسة تقدم الافخارستيا زادا للمشرفين على مغادرة هذه الحياة، بالاضافة الى مسحة المرضى. الاشتراك في جسد المسيح ودمه في هذه اللحظة، لحظة العبور الى الاب، يكتسب معنى لافتا وأهمية خاصة. فهو بذار حياة أبدية وقوة وقيامة، على حد قول الرب: “من أكل جسدي وشرب دمي، فله الحياة الابديه، وأنا أقيمة في اليوم الاخير” (يو 54:6). فالافخارستيا، بالاضافة الى كونها سر موت المسيح وقيامته، هي هنا سر الانتقال من الموت الى الحياة، ومن هذا العالم الى الاب .

1525- فكما ان أسرار المعمودية والتثبيت والافخارستيا تؤلف وحدة متكاملة هي “أسرار التنشئة المسيحية”، كذلك أسرار التوبة والمسحة المقدسة والافخارستيا، يمكن اعتبارها زادا أخيرا، في اللحظة التي تبلغ فيها الحياة المسيحية أجلها. “هذه الاسرار تعد للانطلاق الى الوطن” وتنهي رحلتنا الارضية.

بايجاز

1526- “هل فيكم مريض؟ فليدع كهنة الكنيسة ليصلوا علية بعد أن يمسحوه بالزيت باسم الرب. ان الصلاة مع الايمان تخلص المريض والرب ينهضه. وان كان قد اقترف خطايا تغفر له” (يع 5: 14-15).

1527- الهدف من سر مسحة المرضى تزويد المسيحي بنعمة خاصة عندما يعاني من الصعاب ما يلازم حالة المرض الثقيل أو الشيخوخة.

1528- الوقت المناسب لنيل المسحة المقدسة هو، في الحقيقة، الوقت الذي يجد فيه المؤمن نفسه في خطر الموت بسبب مرض أو شيخوخة.

1529- كل مرة يصاب المؤمن بمرض خطير، يستطيع أن يقبل المسحة المقدسة، ويستطيع أن يقبلها مرة ثانية، عند تفاقم المرض.

1530- يجوز للاساقفة وللكهنة وحدهم أن يمنحوا سر مسحة المرضى، ويستعملون، في منحة، الزيت الذي يباركه الاسقف أو، عند الحاجة، الكاهن الذي يحتفل به.

1531- قوام الاحتفال بهذا السر السر دهن جبهة المريض ويديه بالزيت (في الطقس الروماني) وأجزاء أخرى من الجسم (في الشرق). ويرافق المسحة صلاة ليترجية يتلوها الكاهن المحتفل ويلتمس فيها النعمة الخاصة المرتبطة بهذا السر.

1532- النعمة الخاصة التي ترافق سر مسحة المرضى لها عده مفاعيل:

– اتحاد المريض بالام المسيح، لخيرة وخير الكنيسة كلها؛
– التعزية والسلام والصبر في تحمل الام المرض أو الشيخوخة، تحملا مسيحيا؛
– مغفرة الخطايا التي لم يستطع المريض ان ينالها بواسطة سر التوبة؛
– استرداد العافية اذا توافق ذلك مع الخلاص الروحي؛
– التأهب للعبور الى الحياة الابدية.