Search

التراث العربي المسيحي القديم

الفصل السابع

الادب العربي المسيحي والارض المقدسة 

(من مساق المطران بولس ماركستو ص 48-50).

ليست الارض المقدسة غنية بالاعلام كما هو الحال في سوريا او مصر او العراق. ونتفاجأ عندما نبدأ باعطاء الاهتمام للادب العربي المسيحي في الارض المقدسة، عندما نلاحظ ان الانتاج اللاهوتي والروحي والليتورجي ودراسات الكتاب المقدس والعظات الكثيرة التي نجدها في مناطق متعددة في الشرق الاوسط، تكاد يكون وجودها عدم في هذه المنطقة. فمنطقة ما بين النهرين، وسوريا، ومصر، مليئة بلوائح الاعمال والكتابات والمؤلفين التي تفتخر بها الجماعات المسيحية المحلية. ولكن مقارنة مع الارض المقدسة، فهي للاسف اسمها غير مذكور بشكل كبير وخصوصا اذا دقق في لوائح المخطوطات والكتابات ومتابعة المجلات.

وفي المقابل، الارض المقدسة تحمل لقبا يشرفها على كل المناطق، وهو ان الادب العربي المسيحي قد ابصر النور في هذه الارض، وذلك حول الاديرة الكبرى (خريتون، ومار سابا، والقديسة كاترينا)، حيث تمت الترجمات العربية للكتاب المقدس ولاعمال الآباء والرهبان.

خارطة فلسطين مهد الاراضي المقدسة 

ففي سنة 1888قام الباحث جويدي Guidi بفحص المخطوطات العربية الاكثر قدما للترجمات العربية، فقال بدون تردد في محاضرة متقنة حيث المحتوى ذا قيمة لغاية اليوم:

“…كل هذه المخطوطات العربية القديمة تأتي جميعها من دير مار سابا بالقرب من القدس… كل هذه الدلائل تجعلني اعتقد ان بدايات اللاهوت العربي المسيحي الحقيقي قد ولد في جنوب فلسطين وتحديدا في دير مار سابا والاديرة الاخرى المجاورة.”.

وبعدها ببضع سنوات، يصل المستشرق جورج جراف Graf الى نفس النتيجة. وهذا يتم ليس فقط باخذ الاعتبار للترجمات الكتابية ولكن كل المجالات في الانتاج الادبي.

وهنالك مفهوم اخر للتعبير “الادب العربي المسيحي” حسب ح. تروبو Troupeau الذي يرى من خلاله، فقط الاعمال المكتوبة بالعربي بوساطة كتاب عرب في المجالات الدينية. فكتب:

“بالنسبة للمنشأ، نستطيع ان نعتبر انه في بلاد ما بين النهرين، في نهاية القرن الثامن وبداية القرن التاسع، وُلد الادب العربي المسيحي، حسب المعنى الذي نقصده”.

منظر عام لمدنية القدس

تدخل الترجمات العربية الكتابية من فلسطين في هذا المجال اولا تحت اسم الادب العربي المسيحي، نميل الى شمل الترجمات والانتاج، حتى الفلسفي، على شرط ان يكون المؤلف مسيحي. ثانيا فيما يخص الترجمات، فقد كانت عمل شخصي حقيقي لهؤلاء الرواد، لانه، في ترجمة الكتاب المقدس، ابدعوا مفردات روحية عربية مسيحية جديدة. لذلك تعتبر اعمال الترجمة هذه جزءا لا يتجزأ من الادب العربي المسيحي.

ان التراث الثقافي المسيحي في الارض المقدسة متشعب جدا، حيث تأثر بالعديد من التأثرات الدينية والثقافية بالثقافات المجاورة، كاليهودية-المسيحية (judéo-chrétienne) والسريانية، واليونانية، والارمنية، والجورجية، واللاتينية. فاللغة العربية نمت على هذا الجزع المتشعب والغني. فاقتحمت هذه الصور المتعددة الاوجه واستوعبت هذا التراث الماضي وترجمته او بالاحرى حاولت ان تنتج شيئا جديدا امام المتطلبات الثقافية المستجدة للجماعة المسيحية.

سنذكر اولا بعض هذه الاعمال التي أٌنتجت في الارض المقدسة، ثم ننظر الى اهم المراكز التي أٌنتجت فيها:

1) الاعمال التي أُنتجت في الارض المقدسة

أ- الترجمات المحلية:

اذا كانت بلاد ما بين النهرين تميزت بالترجمات الفلسفية، فان ارض فلسطين تميزت بالترجمات الكتابية والروحية الرهبانية. ويكفي ان نلقي نظرة على قائمة المخطوطات العربية لدير القديسة كاترينا في سيناء، حيث تحتوي على الاقل 124 مخطوطة تحتوي – جزئيا او كليا – على ترجمات كتابية (59 من العهد القديم و 65 من العهد الجديد. وتشغل المزامير الحجم الاكبر من مخطوطات العهد القديم، بينما تشغل الاناجيل الحجم الاكبر من مخطوطات العهد الجديد. ويمكن ان نجد للمخطوطة الواحدة ترجمات عديدة ولا عجب ان تحظى المزامير بهذه الاهمية، اذا اخذنا بعين الاعتبار ان الترجمات تأتي على الاخص من الاوساط النسكية، حيث تلعب صلاة المزامير دورا هاما فيها؛ بينما حظيت الاناجيل في العهد الجديد بالمكانة الاولى.

منظر عام لدير مار سابا

تحت شكلها المزدوج: كتابية وروحية نسكية، سنمر على المخطوطات القديمة في فلسطين.

1. ترجمات كتابية:

“اننا نجد اقدم الوثائق والترجمات الكتابية العربية التي بحوزتنا – واحيانا قطع صغيرة فقط – في المحيط الرهباني النسكي في جنوب فلسطين وبالخصوص في دير مار سابا ودير القديسة كاترينا في سيناء”. هذا ما يقوله المستشرق الالماني ج. غراف، المتخصص في الادب العربي المسيحي وبالاخص الفلسطيني. ويصرح هذا العالم “باننا نستطيع ان نبحث عن مترجم الاناجيل الى العربية في دير القديسة كاترينا في سيناء”.

من هذه المخطوطات والترجمات:

1- ترجمة للمزامير في نص مزدوج اللغة (يونانية – عربية) من القرن التاسع الميلادي، محفوظة في 3 مخطوطات.

2- ترجمة لاول 3 مزامير، من القرن التاسع الميلادي وجدت في قطعة في سيناء. ترجمة للمزامير وجدت في المخطوط المشهور الفاتيكاني العربي 13، والتي تحتوي على عدد لا بأس به من اشهر المخطوطات الكتابية، ولكن مع كثير من النقص (ضياع الاوراق التي كان يجب ان تحتوي المزامير)، وقد ترجمت باللغة اليونانية بدير مار سابا وذلك في القرن التاسع الميلادي.

3- ترجمة لسفر ايوب، والارجح انها وجدت في دير مار سابا في النصف الاول من القرن التاسع الميلادي انطلاقا من نص سرياني ذو ستة اعمدة (المتحف البريطاني، العربية، 1475).

4- ترجمة لكتاب يشوع بن سيراخ من القرن التاسع الميلادي، ويعتبر اقدم مخطوطة عربية من العهد القديم (سيناء، العربية 155، رقم ١).

6- ترجمة لبعض اقسام من العهد القديم (ايوب، دانيال، ارميا، حزقيال)، وتوجد ايضا في مخطوطة تعود الى القرن التاسع الميلادي (سيناء، العربية، ١).

6- ترجمة للاناجيل، انطلاقا من النص اليوناني، وتوجد في مخطوطتين، لكتاب مجهولين ولكنها في الغالب تعود الى القرن التاسع الميلادي (سيناء، العربية 70، 74).

7- ترجمة كاملة للاناجيل، يعود تاريخها الى سنة 897 ميلادي، ونقلت الينا عن طريق الكاتب المشهور اسطفانس الرملي ب 116ورقة. ومن الملاحظ انه تم نقل هذه المخطوطة في دير خريتون، وهذه مخطوطة عربية تعد اقدم الترجمات الانيجلية (سيناء، العربية، 72).

8- ترجمة للاناجيل تعود ايضا الى القرن التاسع الميلادي، ونقلت الينا عن طريق من هو معروف باسم الراهب الهمزي، ومن الارجح انها تعود الى دير خريتون (سيناء، العربية، 75).

9- ترجمة للاناجيل من الاصل اليوناني، دونت – بصورة اكيدة – قبل عام 885 ميلادي، ووجدت في مخطوط اخر في سيناء، ويحتوي هذا المخطوط على الكثير من النقص في كل انجيل وينقص منه ايضا خاتمة القديس يوحنا (فاتيكان بورجيا Vatican Borgia).

10- ترجمة لبعض النصوص من انجيل القديس متى، من القرن التاسع الميلادي، ومن اصل يوناني، ونقلت عند الينا عن طريق جلد الحيوانات ومن سيناء (جامعة ليبزغ université de Leipzig المستشرق 1059أ، مضمن ايضا ، Tishendorf تشندورف 31أ).

11- ترجمة لسبعة آيات من القديس متى (13/46-52) من القرن التاسع الميلادي، بلغتين (اليونانية- العربية)، ونقلت الينا عن طريق قطعة في سيناء (مخطوطة محفوظة في دير القديسة كاترينا في سيناء، وجراف لا يحدد سماتها).

12- ترجمة للاناجيل غير كاملة لاصل يوناني ومن القرن التاسع الميلادي (الارجح انها اقدم من ذلك) وجدت في مخطوط مشهور في الفاتيكان (فاتيكان، العربية، 13). وهذا المخطوط نفسه كان قد نقل الينا ترجمة لنصوص من انجيل متى باللغة السريانية من القرن التاسع الميلادي. وهنالك نصوص انجيلية اخرى من هذه المخطوطات احدث من التي ذكرت سابقا حيث تعود الى القرن الحادي عشر الميلادي. والترجمة العربية حرة جدا مع الاعادات والتفسيرات، حيث تعطي الانطباع بانها ترجمة مفصلة (جملة بجملة).

13- ترجمة لثمانية ايات من انجيل القديس متى ( 16/20)، من اصل يوناني، تعود للقرن التاسع الميلادي، وحفظت في قطعة لم تصنف بعد – حسب غراف – في جامعة القديس يوسف ببيروت.

14- اربع مخطوطات اخرى نقلت الينا بعض الترجمات الانجيلية، وتعد متأخرة مقارنة مع السابقة، ولكن من المفضل الاطلاع عليها:
* ترجمة تعود على الارجح الى القرن العاشر الميلادي، ترجمت في دير مار سابا (سيناء، العربية، 71).
* ترجمة من اليونانية من اصل سباتي Sabaite، تعود اغلب الظن الى القرن العاشر الميلادي (في مخطوط غير ، مصنف في مكتبة بطريركية الروم الارثوذكس في القدس).
* ترجمة بلغتين (يونانية-عربية) في مخطوط يعود للقرن العاشر الميلادي (سيناء، سباتية، عربية، 43).
* ترجمة بلغتين (يونانية-عربية) في مخطوط سباتي يعود الى القرن الحادي عشر الميلادي (القدس، مكتبة القبر المقدس، اليونانية، 25).

واذا مررنا الى سفر اعمال الرسل والرسائل الرسولية، سنلاحظ ان اقدم المخطوطات التي نقلت الينا اول ترجمات عربية هي من اصل فلسطيني او –كما يحدد جرا ف – من استخدام فلسطيني. وبقولنا هذا نعود بالخصوص الى دير مار سابا ودير القديس كاترينا في سيناء.

15- يعود اقدم مخطوط عربي للعهد الجديد الى سنة 867، ويحتوي على رسائل القديس بولس، اعمال الرسل، والرسائل الراعوية مع ترجمة سريانية قامت بها جماعة في دمشق باشراف بشر السيري (سيناء، العربية، 151) وترجمة عربية قديمة جدا، ولكنها غير كاملة تحتوي على اعمال الرسل نسخت عن الاصل السرياني من القرن التاسع. والذي حفظ لنا هذه المخطوطة هو “الراهب موسى” والتي تحتوي على ترجمة للرسائل الكاثوليكية. ويبدو ان هذه المخطوطة مهمة للتاريخ ولنقد النص الكتابي (سيناء، العربية، 154).

16- وعن الاصل اليوناني لدينا ترجمة منسوخة في القرن العاشر لنص قديم لما نسميه “بالجسم البولسي. (سيناء، العربية، 155).

17- ويحتفظ دير القديسة كاترينا في سيناء، ترجمة لرسائل بولس الرسول من القرن التاسع، بحسب النظام المتبع في بعض الكنائس الشرقية حيث نجد رسالة طيموثاوس بعد الرسالة الى العبرانيين (سيناء، العربية 74).

18- وفي النص الذي اسلفنا ذكره، فاتيكان، العربية، 13، نجد ايضا ترجمة لرسائل القديس بولس، مرتكزة على اصل يوناني من القرن التاسع، وكان يجب ان يحتوى هذا المخطوط على اعمال الرسل والرسائل الكاثوليكية، ولكن يظهر ان الاوراق فقدت (فاتيكان، العربية 13).

19- ولدينا ترجمات متفرقة مأخوذة من اصل يوناني لبعض المقاطع من اعمال الرسل، ورسائل القديس بولس والرسائل الكاثوليكية من اصل سينائي، محفوظة في مخطوطين من القرن العاشر الميلادي (المتحف البريطاني، الاصل ٨٦٠٥ ، وباريس، العرية ٦٧٢٥، المنقول عن طريق المدعو دافيد من عسقلان
David d’Ascalan ).

ملاحظات حول هذه الترجمات:

1. اغلبية هذه الترجمات منقولة عن اليونانية وبعضها عن السريانية، وبعضها ترجع الى مصدرين: ترجمة اولى عن اليونانية، ثم مراجعة ثانية لهذه ترجمة مع بعض التصحيحات على اساس النص السرياني.

2. نلاحظ ايضا ان التركيز في هذه الترجمات قد انصب خاصة على المزامير والاناجيل والرسائل. وذلك يعود الى الحاجة في استعمال العربية في الصلاة والتأمل والقراءة الليتورجية، خاصة عند الرهبان.

3. لا نجد الكثير من الترجمات للنصوص النبوية، بالرغم من ان كثير من الحوارات والمنظارات من ذلك العصر استشهدت كثيرا بالانبياء..

4. في البداية لا يوجد ترجمات كاملة ووافية وانما جزئية. ولم شعروا بالحاجة الى وجود ترجمة كاملة، بدأوا بجمع الترجمات المختلفة الموجودة، ولكن دون قواعد اساسية عامة.

5. قيمة هذ ه الشهادات؟ من ناحية التاريخ والنقد للنصوص الكتابية، فان الباحثين لا يولون عادة هذه الترجمات اهمية كبيرة ولا يعطوها قيمة، ولكن بالنسبة للادب العربي المسيحي، فانها تشكل شهادات تاريخية حول المخزون من نسخ المخطوطات الكتابية في دير القديسة A. Atiya ولاهوتية وتحليلية ثمينة. وان ما يقوله أ. آتيا كاترينا، يظهر لنا ان هذه الترجمات هي شهادات تاريخية، ولاهوتية شرقية قيمة: “بدون شك، فان المواد الكتابية تتضمن بعض اقدم الترجمات العربية لبعض كتب العهدين القديم والجديد، التي يمكن ان تساعد كثيرا في مراجعة نص الكتاب المقدس العربي”.

6. ان الارض المقدسة قد تنبهت للادب العربي المسيحي بفضل الترجمات الكتابية، بسبب الربط الوثيق الموجود بين هذه المنطقة والكتاب المقدس، عالمه وشعبه، فمن الطبيعي ان تكون رسالة كنيسة الارض المقدسة ان تعني وتهتم بهذه الناحية المهمة من الادب العربي المسيحي.

2. ترجمات لحياة قديسين، ولنصوص روحية ونسكية رهبانية:

بعد الكتاب المقدس، فان نصوص حياة القديسين والنصوص الاخلاقية والنسكية الروحية، للرهبان خاصة في فلسطين، هي التي اثارت اهتمام المترجمين العرب. ومن اشهرهم في هذا المجال مؤرخ حياة القديس الفلسطيني كيرلس من سيتوبليس، وتعتبر هذه الترجمات ذات اهمية كبيرة في الادب العربي المسيحي، لانها من بواكير محاولات ايجاد مفردات روحية عربية مسيحية، بالرغم من وجود التأثيرات السريانية واليونانية.

نذكر اقدم الترجمات التي وصلتنا للمخطوطات من الارض المقدسة في هذا المجال:

1- مخطوطات لحياة القديس افطيموس (ترجمها الى العربية افطيموس) مؤسس الدير النسكي الكبير، الذي مات سنة 473. الاولى ترجمة يونانية لكيرلس السيتوبلسي والذي يبدأ بالفصل 27 من 53 اصلية (Cod. Tischendorf 2) المخطوط الذي كتبه الراهب ديفيد عن القديس سابا (القسم الثاني من القرن التاسع ميلادي) مخطوط مكتوب بلغة واسلوب مميزين. والثاني هو نسخة عن السابق، كتب هو ايضا في دير مار سابا وكتبه الراهب المدعو اسحق، بطلب من دير سيناء سنة 885 (فاتيكان، العربية، 71).

2- مخطوطات لحياة القديس سابا مؤسس دير الراهبان، مركز النسخ الكبير (الذي منه وصلتنا المخطوطات التي نتناولها هنا)، مات سنة 529، الاول، كما عن القديس افطيموس، مترجم عن اليونانية ومكون من 72 فصلا، من عمل القديس السيتوبلس، ويكوّن النص العربي الذي نقله الراهب ديفيد في مار سابا، فيه بعض النواقص .Tischendorf Cod. والثاني مخطوط فاتيكاني، العربية، 71، نقله الرهب اسحق سنة 885.

3- حياة القديس ابراميوس، تلميذ مار سابا، ومن المحتمل ان كيرلس السيتوبلسي هو الذي ترجمها ولهذه الحياة عدة ترجمات حديثة  .Tischendorf Cod.

4- حياة القديس ثيودوسيوس، راهب الصحراء، مؤسس دير الراهبان (المسمى الى يومنا هذا باسم مار دوسي)، بالقرب من صحراء يهوذا، بين بيت لحم ودير مار سابا، مات سنة 529. هذه الترجمة على خلاف سابقاتها، لم يكتبها كيرلس السيتوبلسي، ولكن ثيودور من بترا في كتابه “خطاب في مدح القديسين”.

5- حياة القديس ابيفانوس، اسقف قبرص، كتبها الكاهن يوحنا في القسطنطينية. هذه الترجمة – كذلك المخطوطات ال 13 اللاحقة – نقلها في الفاتيكان، العربي، 71، الراهب اسحق في سيناء، سنة 885

6- عظة رئيس الدير انستاسيوس من سيناء حول التوبة، تعليقا على مزمور 6

7- حياة القديس كسنفون وزوجته وولديه يوحنا واركاديوس.

8- نص رئيس الدير كاسيانوس ليونسيوس حول آباء الصحراء.

9- الحث على الفضيلة من رئيس الدير نيل للراهب توما.

10- عظة الراهب نيل عن العادات السيئة.

11- تعليمات رئيس الدير اشعيا للمبتدئين.

12- خطاب رئيس الدير حول اسباب الخطيئة.

13- الكلمات الخالدة لآباء الكنيسة.

14- الحث على الفضيلة لمار سابا حول اخطائه الخاصة.

15- خطاب رئيس الدير مكاريوس حول الصلاة.

16- رسالة رئيس الدير مكاريوس للرهبان.

17- مكتوب اسطفانس الطيباني عن حياة الرهبان.

18- وصية اسطفان الصيباني لتلاميذه.

19- خطاب القديس دوروثية: ترجمة عن اليونانية، موجود في المخطوط السينائي، العربية، 329. كتبها اغلب الظن الارشمنديت دوروثية الذي عاش في فلسطين في القرن السادس الميلادي، والذي نعرف عن نشاطه الادبي النسكي.

20- خمس طرائف رهبانية: موجودة في المخطوط السينائي، العربية 154، من القرن التاسع الميلادي، وتحمل عنوان “صلاة راهب” و “خواطر”.

21- جزء من انجيل نيقوديموس (المنحول) موجود في مخطوط بدير مار سابا، كتب سنة 885، كنيسة الانبا انطون البغدادي، المدعو داوود في سيناء كما يخبرنا الانبا اسحق في دير سيناء. المخطوط الذي اكتشفه Tischendorf تشندورف، موجود حاليا في مكتبة لينغراد العامة، وفي نفس المخطوط نجد القطعة التالية.

22- رواية خلاف بين بعض المسيحيين من سبسطية في قلقيلية، واسقفهم بطرس، في زمن القديس باسيليوس الكبير.

3. ترجمات اعمال آباء الكنيسة ورهبان الارض المقدسة:

احتل آباء الكنيسة الفلسطينيون المكانة الاولى في اهتمامات الادب العربي المسيحي، وغالبا ما تُرجمت مؤلفاتهم. وهذه الترجمات كانت من الاشكال الرئيسية في التراث اللاهوتي العربي في الارض المقدسة وتستحق ان نلقي عليها نظرة اجمالية. من بين الاباء الاكثر شيوعا في هذه الترجمات نذكر اعمال كيرلس الاورشليمي (+ 386) ويوحنا الثاني اسقف القدس (386-417)، وتيودورس كاهن من القدس، وكيرلس الخيتوبولس (524-558)، وصفرونيوس بطريرك القدس (+638).

هنا نحن لا نركز على آقدمية المخطوطات ولكننا نذكر بشكل عام عدد المخطوطات لكي نظهر الهدف الذي من اجله تمسك الادب العربي المسيحي في اعمال الكنيسة ومنشورات الارض المقدسة.

(1) كيرلس اسقف القدس (سنة 386)

– تعليم مسيحي: ثمان مخطوطات تحتوي على التعليم للموعوظين وتحتوي على خطابات…
– عظات… مخطوط تحتوي على عظات اعياد الرب… مخطوطات هي عظات عن ارتفاع الصليب، عجائب الصليب وترميم كنيسة القيامة. 15مخطوط نقل الينا عظات ومدائح العذراء خصوصا في عيد تقدمتها للهيكل، واخيرا 6 مخطوطات في مكتبة اليعقوبيين في دمشق.
– تعليق على الانجيل… (مخطوط عام 1845… وآخر مجزىء عن الرؤية؛ ومخطوط الفاتيكان العربي 452).
– مخطوط من القرن 18(… العربي…) تحمل ايضا عنوان “قوانين القديس كيرلس” عن قوانين العماد والزواج. ولكن يجب ان ننسب هذا النص الى الكتاب الشهير “كتاب الهدي” للموارنة… يشير الى مخطوط سينمائي يحمل اسم “اعمال كيرلس المقدس في الخط الكوفي” في محل روزنتال في ميونخ لبيع الاغراض القديمة.

(2) يوحنا الثاني اسقف القدس (386-417)

كون هذ ا الاسقف قانون ايمان سنة 415 في مجمع ديوسبوليس محفوظ في ترجمة عربية في اجزاء وشبه جمل.

(3) تيودورس كاهن من القدس 

تحت هذا الاسم (المجهول في الثقافة المسيحية ولكنه يمكن ان يكون هيزكيوس ،Hesychius الذي توفى في سنة 450)، لدينا عظة نقلت الينا من خلال خمس مخطوطات، قطعة منها موجودة في متحف ببلي في احدى الاديرة، ومخطوط اخرى احدث منها في مكتبة دير القديس حنا للاباء البيض في القدس.

(4) كيرلس السيتوبليس (524-558)

ان المخطوطات العربية القديمة، التي اتتنا من دير مار سابا، نقلت الينا، بجانب الترجمات الببلية، ترجمات لاعمال وحياة اشهر رهبان الارض المقدسة.

وهناك في الادب العربي المسيحي القديم، مخطوطات كثيرة نقلت الينا ترجمات لاعمال كيرلس السيتوبليس Cyrille de Scythopolis نعرف حتى الان 23 مخطوطة من اعمال كيرلس السيتوبلس عن حياة الكثير من الرهبان المشهورين: امثال مار سابا وثيودوسيوس وغيرهم.

هذه الترجمات وان يكن صحتها التاريخية مشكوك فيها، الا انها كتبت وترجمت من اجل حياة الرهبان الروحية والنسكية.

(5) صفرونيوس بطريرك القدس (+638)

ستة مخطوطات حفظت لنا ترجمة لعظات البطريرك صفرونيوس، حول تقدمة يسوع الى الهيكل. بينما خمس مخطوطات اخرى حوت ابحاث مختلفة وروحية ونسكية ولاهوتية وحتى فلسفية، نسبت الى صفرونيوس. وينسب الى صفرونيوس ايضا مؤلف عقائدي- دفاعي، ترجمه عبدالله بن الفضل بعنوان “كتاب البرهان في تثبيت الايمان”. هذا المؤلف الذي وصل الينا من خلال مجموعة كبيرة من المخطوطات، يحتوي مواضيع مختلفة حول التجسد، والثالوث، وعرض تاريخ للمجامع، وتعريف الهرطقات ونقدها.

4. المكتبات الرهبانية الكبرى في الارض المقدسة:

منظر لدير مار سابا

1- دير مار سابا: لا نستطيع التكلم عن الادب العربي المسيحي في فلسطين خاصة، دون التكلم عن هذا الدير العظيم، الذي يعتبر مهدا للادب العربي المسيحي. اسس هذا الدير العظيم عام 478 الراهب سابا في وادي قدرون في وسط صحراء يهوذا. وقد عاش فيه العديد من الرهبان والقديسين العظماء منهم: مار سابا، وكيرلس الخيثوبولس، ويوحنا الدمشقي، وقزما وميشيل وثاوذروس بن قرة وغيرهم. وفيه تم وضع قانون رهباني يعتبر ركنا اساسيا للرهبانية ولليتورجية الشرقية. وقد وقع يوحنا ومار سابا على وثيقة مجمع اللاتران القائلة بادانة بطاركة القسطنطينية سرجيوس وبيروس وبولس القائلين بارادة واحدة في المسيح. اشتهر هذا الدير في القرنين الثامن والتاسع، لكنه تعرض للاضطهادات والمجازر، وبالاخص عام 789. تلى ذلك فترة انحطاط فكري وروحي ومادي. فاغلق عام 1450، حيث اعيد تدشينه عام 1540. وتوزعت مخطوطاته في عدة مكتبات في العالم اهمها موجود في بطريركية الروم الارثوذكس في القدس.

2- دير خريتون: حيث وُجدت اقدم مخطوطة من الادب العربي المسيحي حتى الان، وهي تعود الى عام 746. هذا هو الدير الذي اسسه الناسك خريتون عام 345 قرب تقوع. وحسب “غراف” فان هناك مخطوطة وجدت عام 1223 في خريتون زمن الحروب الصليبية.

3- دير القديسة كاترينا السيانية: في القرن التاسع عشر وجد الشاب تيشندورف في هذا الدير مخطوطة كتابية في الاكثر تقديرا تدعى “سيناتكس”. وهذا الدير مشهور ايضا بمخطوطات الادب الذي نحن بصدده وخاصة الادب الفلسطيني. 

يمكن لهذه التسمية ن تبهرنا، فان كانت وبقيت سيناء سياسيا مصريا، فدينيا ورهبانيا تاريخها يعود الى فلسطين. حتى سابقا، حوادث الخروج ترتبط منطقيا بالارض المقدسة. سيناء لا تستلهم روحانيتها من اديرة وادي ناترون، في مصر، بل على الغالب من الاديرة الشرقية وصومعات صحراء يهوذا وفلسطين بوجه عام. ان من ينظر للنشاط الادبي العربي والمخطوطات، يندهش من رؤية التبادل الذي كان يحصل ما بين رهبان جبل موسى ورهبان وادي سدرون.

منظر عام لدير القديسة كاترينا في سيناء

مؤسس هذا الدير هو يوستينوس عام 527، على جبل موسى، وعلى ارتفاع قدره 1528م. لكي يخلد الاحداث الكتابية للخروج وليشكل مركز نسكي لمتنسكي شبه جزيرة سيناء المتعددين. في البداية اطلق على الدير اسم “دير القديسة مريم”، وفيما بعد “دير تجلى السيد المسيح”، ثم “المحاورة” وسمي اخيرا في القرن التاسع “دير القديسة كترينا” على شرف شهداء مصر. خضع الدير الى اسقف فاران وبطريركة القدس وبالرغم من صعوبة الوصول الى ذلك لدير، بسبب المسافة والطبيعة الصحراوية، وايضا بسبب الاوضاع السياسية المتخلخلة، الا انه كان مركزا لحجاج كثيرين ولجذب انتباه الشرق والغرب.

ننظر الى الدير بالاخص من وجهته الكتابية واحتفاظه بمخطوطات عربية مسيحية. من هذه الوجهة، يستحق لأن يدعى “انعكاسا لدير مار سابا”. بجانب الاديرة الشرقية (خريتون ومار سابا) يعتبر دير سيناء، وبتعبير صائب، مهدا للادب العربي المسيحي. اما تأسيسه فكان يونانيا وليتورجيته كانت بيزنطية، ورهبانه متعددي الجنسيات. وفي احد الاوقات القديمة كانت ليتورجية هذا الدير تقام باللغة العربية ومما جعل الرهبان يكبون على تعلمها واتقانها. فتمت بعد ذلك فيه الترجمات الكتابية والابائية وحياة القديسين منذ القرن الثامن.

زد على ذلك، فقد يكون للنشاط الكبير في الترجمة الذي باشر به الرهبان على عاتقهم الخاص، او الذي تعهده اخرون، حافزا عمليا. فالمنتسبون الجدد من الرهبان اعتادوا في البداية على اللغات الكلاسيكية للشرق المسيحي، ومن ثم انفتحوا بتزايد على اللغة العربية التي جعلتهم ذي اصل متميز، والتي اصبحت اللغة الدارجة في حياتهم اليومية، وفي الخدمات الجماعية الليتروجية، وفي قراءاتهم الرهبانية.

هكذا، ومنذ مطلع القرن الثامن، تعاقبت الترجمات الكتابية والآبائية وسير القديسين. وقد تميز الرهبان ايضا بلجان الترجمة او النقل (حيث كانوا مسؤولين عن رهبان في اديرة اخرى) وبجمع النصوص. وقد ذكر لنا الادب العربي المسيحي، في الواقع، عن انطون داود، ابن سيناء من بغداد، ذلك الذي نقل نصوصا تحت إمرة لجنة الراهب اسحق السينائي.

يبدو ان انتاج دير سيناء اقل من انتاج مار سابا ولكن انتاج سيناء صب اهتمامه خاصة على تجميع وحفظ المخطوطات العربية وغير العربية. لذا يحمد الدير على هذه الميزة، والحضارة كثيرة الامتنان له. قد يعود الفضل في ذلك الى العزلة الطبيعية للدير وبعده عن الثورات الكبيرة في تاريخ الشرق الاوسط. انه واحة سلام، وعلى مدى العصور تمكن من الاحتفاظ بصلوات وثقافة تعتبر من افضل المخطوطات التي جمعت. مكتبة دير سيناء تعتبر احدى اكبر المكتبات شهرة في العالم واعظمها غنى، اذ انها تحتوي على حوالي 3300 مخطوط يوناني وسرياني وعربي وسلافي وقبطي وجورجي واثيوبي… وحتى لاتيني. هذا التنوع لوحده يؤكد عالمية صيت دير القديسة كاترينا. ومن هنا نستطيع ان ندرك سبب دهشة العديد من الزوار، كالكاتب الكسندر ديماس Alexandre Dumas والباحث المشهور ، L.F. Tischendorf تشندورف.

من ينظر الى ا لمخطوطات العربية، يجد انها غالبا ما تشير الى نفس اسلوب الكتابة الذي تميزت به الكتابات السينائية ما بين القرن الثامن والحادي عشر. يطلق على هذا الاسلوب اسم “الاسلوب الكوفي السينائي”.

كان يحتفظ في الدير دائما بمسجد صغير. ان اصل هذه العادة غير معروف، وبهذا يتبين لنا روح التسامح في ذلك الوسط التقشفي. يعود الفضل في ولوج الباحثين في تلك الكنور الفنية والعلمية الى حرية الرهبان التقليدية. ان تفهم الصعوبات العملية التي تواجه العلماء والفنانين في الوصول الى المخطوطات التي في وسط صحراء سيناء والاستعانة بها، جعل الرهبان يسمحون في عام 1950 ل American Foundation Mt. Sinai Expedition ان يصوروا اكثر من مليونين ملف او صفحة من المخطوطات.

نلحظ ايضا بين المخطوطات العربية طرسان نجد فيهما انه تحت كتابات حديثة توجد نصوص قديمة جدا، احدهما استخدم اربعة مرا ت. تحت النص الحالي باستطاعتنا ان نقرأ بصعوبة نصوصا سريانية ويونانية وكوفية، حيث اكتشف وجود نص قديم جدا من الكتاب المقدس. ان للشيفرة العربية Codex Arabicus مترلة كبيرة بجانب الكتاب المقدس السرياني السينائي المكتشف في القرن الماضي.

اضيفت لمئات المخطوطات العربية المسيحية السينائية والمعروفة مسبقا، مجموعة جديدة نشرت مؤخرا في كتالوج. اننا معنيون ب 155 مخطوط (70 على الورق “تعود على الاغلب للقرنين التاسع والعاشر، و 85 على ورق من القرن الحادي عشر الى الثالث عشر). وهناك وثائق اخرى اكتشفت في عام 1975 في دير القديسة كاترينا. تحتوي هذه المجموعة الجديدة، ضمن اخريات، على مخطوط يمكن اعتباره “حسب وجهة نظر مؤلف هذا الكتالوج” اقدم مخطوط عربي سينائي. هذا المخطوط هو مخطوط ١٦ (من لائحة الرق، وحسب ترتيب الكتالوج الجديد)، وهو يعود لعام 859. هذا الاكتشاف هو دليل اضافي على وجود العديد من الرهبان الناطق ين باللغة العربية في ذلك الدير، وعلى وجود اتصال محصور ما بين سيناء وواحات صحراء يهوذا، واخيرا على الاهمية الحضارية للكتابات السينائية حيث “كان الرهبان في الاوقات العصيبة يعتبرون حماية الكتابات اهم من خلاص نفوسهم”.

ب- مصادر المخطوطات العربية المسيحية في الارض المقدسة اليوم:

ما الذي بقي اليوم في الارض المقدسة من هذا التراث الثقافي واللاهوتي الماضي؟

ان دير القديسة كاترينا في صحراء سيناء يحتوي على الكثير من المخطوطات بالرغم من ان كمية كبيرة من هذه المخطوطات تم سحبها من هذا الكتر على مرور الزمن.

في دير مار سابا لا نجد شيئا، ولكن مخطوطاته نقلت الى مكتبة البطريركية الارثوذكسية في القدس. في بداية هذا القرن، رتب “غراف” 232 مخطوطة عربية معروفة في هذه المكتبة، ذات اهمية كبيرة، وتنتظر ان تُدرس وتُحلل وتُنشر.

اهتم غراف في البحث عن المخطوطات في كثير من المكتبات فوجد 9 منها في دير القديسة حنة، وديري القديس جورج والقديس نيقولا في القدس، وعند السريان الارثوذكس وفي دير القديس مرقس، وقد كتبت اغلبيتها باللغة السريانية، اما الجامعة العبرية فانها تهتم تجميع مثل هذه المخطوطات وتملك بعضها.

يبقى انه على اثار جورج غراف، يجب على فلسطين ان تقوم ببحث جديد ومنظم عن ما يوجد فيها من مخطوطات. انها ليست امنية ولكن ضرورة، وذلك لكي تعرف كنيسة الكنيسة تراثها وتستحق ان تكون وارثة كنيسة القرن الثامن والتاسع الذي اعطى الحياة للادب العربي المسيحي.

خاتمة

ملاحظات حول الادب العربي المسيحي في الارض المقدسة:

ان الارض المقدسة هي الاولى التي شعرت بالحاجة الى ترجمة تراثها المسيحي الى العربية وليس فقد هذا بل حتى الى انتاج اعمال اصلية بهذه اللغة الثقافية الجديدة. كان همها الاول في البداية ترجمة الكتاب المقدس وبعض سير القديسين واعمال آباء الكنيس. وهذا ما يميز فلسطين وبلاد ما بين النهرين حيث كان همهم الاكبر ترجمة اعمال الفلاسفة اليونان القدامى.

الانتاج الفلسطيني، العملي والليترجي الباعث على التقوى والعمل الراعوي، يوضح لنا بعض النقاط المهمة:

اولا: انه انتاج موجه نحو الشعب وليس فقط نحو فئة المثقفين. وهذا يعني انه بعد قرن من تغيير النظام في فلسطين، تعلم الشعب اللغة الجديدة) العربية)، التي اخذت تحل تدريجيا محل اللغة السريانية، لغة الشعب خصوصا في القرى، واليونانية، لغة الثقافة في المدن. والرهبان لم يستثنوا من هذا التطور، بل على العكس من ذ ك، فقد وضعوا انفسهم في خدمة هذه الحاجة الثقافية الجديدة. وهذا يضعنا امام الاعتبار الثاني.

ثانيا: بعد مجيء الاسلام، لم تكن الاديرة ملاجىء فقط، بل اصبحت المراكز الرئيسية المحركة للجماعة المسيحية. فهي التي دافعت عن الايمان وحافظت الليترجيا والتعليم، وأمنت التربية والتنشئة اللاهوتية، وترجمت وألفت المؤلفات الضرورية الى العربية، وشكلت ايضا مراكز مفضلة للصلاة وللبحث عن الله.

ثالثا: كانت الاديرة – التي كانت في الاساس يونانية – مفتوحة لكل المتطوعين الجدد من كافة الاصول والطوائف والمدارس والمراكز. واذ شعروا باهمية ان تُترجم الاعمال الضرورية الى لغة الشعب، هذا يعني ان كثير من هؤلاء الرهبان كانوا محليين. هذا يجب ان يلاحظ، لانه غالبا ما يُعتقد ان الرهبنة الفلسطينية لم تهتم بالمحليين، او لم يكن فيها محليين.

رابعا: وهي نقطة مثيرة للاهتمام، انه في هذه اللوحة من الفسيفساء من لغات وطقوس وتقاليد ومراكز السلطة، التي كان يعيش فيها المسيحيون الشرقيون، اصبحت اللغة العربية هي الشائعة بينهم جميعا، دون ان تلغي خصوصيات كل طقس وتراثه الغني، وظهرت اللغة العربية كو اسطة جديدة للتعبير والاتصال؛ واصبحت همزة الوصل بين الجماعات المسيحية المختلفة. هذه الخبرة الماضية، يمكنها ان تكون مفيدة اليوم لمسيحي الشرق الاوسط؛ فمع احترام التراث الخاص لكل جماعة، يمكن للغة العربية ان تكون هي الواسطة الثمينة التي تجمع وتحث مسيحي هذه البلاد نحو الوحدة والى تقارب الافكار والجهود.

من هذه النظرة الاجمالية على الادب العربي المسيحي بشكل عام، والادب العربي المسيحي الفلسطيني بشكل خاص، نصل الى نتيجة ثقافية ولاهوتية ذات معنى عميق. ففي مسيرة ميلاد الادب العربي المسيحي وتطوره، يظهر لنا بوضوح، ما يمكن ان ندعوه، بالليونة (souplesse) الثقافية للايمان المسيحي. 

فعلى اثر الانقلاب الثقافي والسياسي الذي حدث في الشرق الاوسط، تعرض مسيحي الارض المقدسة اما الى تجربة تكوين جماعات مغلفة (جتو) على ثقافتها الدينية، واسلوب حياتها وتقاليدها؛ واما الى الوقوع في نوع من خلط المذاهب (syncrétisme) او تجربة ترك الايمان. 

في الحالة الاولى، واذا لم يستجب المسيحيون للتغيرا ت التي حدثت في الارض المقدسة، وتمسكهم باخلاص صادق بالماضي، لانعزلت الكنيسة، وانغلقت على ذاتها، وتخلت عن رسالتها ان تكون “نور العالم والخميرة في العجين”. اما لو انها تبعت الحالة الثانية، وجُذبت بالتجديد الاجتماعي المفاجىء، لكانت نسيت دورها النبوي والخلاصي، وتخلت عن تراثها، فكان من الممكن ان تصبح “كلملح”، وكان من الممكن ان تذوب وتختفي.

يظهر لنا الادب العربي المسيحي، بوضوح، ان المسيحيين بجميع طوائفهم، رفضوا هذين الحلين واختاروا الحل والموقف الصحيح، الا وهو قبول التحدي الذي فرض نفسه، “وجسدوا” ايمانهم المسيحي في هذا الاطار الثقافي الجديد، مع الاحتفاظ بامانة باستقلالية شخصيتهم الدينية وبالمحافظة مع الاخرين على علاقة الحوار والاتصال.

وهكذا فكنيسة الارض المقدسة في القرنين الثامن والتاسع المبنية على اساس الكتاب المقدس والثقافة الآرامية وبدون التخلي عن غناها الطقسي واللاهوتي والتاريخي لتراثها الماضي، عرفت كيف تتأقلم مع الثقافة الجديدة لكي تحقق رسالتها بشكل افضل. بفضل هذا “التجسد” في الواقع المحلي تمكنت من الاستمرار على هذه الارض.